(إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال) في النهاية العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينقض ويثلب وقال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير، وفيه ترغيب في ترك المماطلة مع الغرماء وصرف المال بالإنفاق وصلة الأرحام وإخراج الحقوق المالية الواجبة والمندوبة وإعطاء الجائر مع الخوف منه تحرزا من اللوم والبخل والضرر وهتك السر ونحوها مما ينتقص به عرضه.
(ليس من جالس الجاهل بذي معقول) أي بذي علم لأن الجاهل منتهى غرضه التصرف في أحوال الدنيا وكيفية تحصيلها والتمتع بها والتكلم بالفضول ولا ينفذ بصره إلى أحوال الآخرة والعالم على عكس ذلك فبينهما تضاد والمتضادان لا يجتمعان في محل واحد وأيضا المجالسة تقتضي المكالمة والجاهل لا يقدر أن يتكلم في المعقولات والعالم يقدر أن يتكلم في أبواب الجهالات فلا محالة يجري مجراه وذلك يفسد نور علمه وأمر دنياه وعقباه وكأنه إلى هذا أشار بقوله: (ومن جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال) أي للتكلم بفضول ما يتحدث به المتجالسون الجاهلون من قولهم: قيل كذا وقال كذا، بناؤهما على أنهما فعلان ماضويان متضمنان للضمير والإعراب على إجرائهما مجرى الأسماء خاليان من الضمير وإدخال حرف التعريف عليهما في قولهم القيل والقال وقيل القيل الابتداء والقال الجواب. وبالجملة أمر بالاستعداد لفضول الكلام وكثرته مبتديا ومجيبا وحكاية أقوال الناس والبحث عما لا يجدي نفعا بل يوجب ضياع العمر وجهد الكتبة وسواد القلب وسواد دفتر الأعمال والصعوبة في الآخرة وقال:
(لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله) الإقلال قلة الجدة والفقر ورجل مقل أي فقير يعني أن الموت وروده على الغني والفقير ضروري لا يقدر أن يدفعه الغني بماله ولا الفقير بفقره وأقلاله وطلب الترحم منه إذ لا يرحم أحدا، وفيه حث على ذكر الموت وانتظاره والاستعداد لما بعده ورفض كل ما هو مانع من أمر الآخرة وتحصيل الزاد لها.
(أيها الناس لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج واللئيم الملهوج) الاشتراء خريدن وفروختن، ضد والمراد هنا الأول والكريم الشريف والأبلج الواضح المشرق والمراد به أهل العلم والعمل واللئيم ضد الكريم والملهوج من اللهج يقال: لهج بالشيء كفرح إذا أغرى به والإغرا در حرص افتادن ودر حرص انداختن كذا في كنز اللغة، وقد رغب في توقع الموت ورجحه على هذه الحياة بالنسبة إلى كل أحد إما إلى الكريم فلتخلصه من آلام الدنيا بسببه ووصوله إلى نعيم الأبد فلذلك قال سيد الوصيين حين ضرب بالسيف: «فزت ورب الكعبة» وأما بالنسبة إلى اللئيم الحريص في الدنيا فلتخلصه منها ومما يوجب زيادة العقوبة في الآخرة وحمل