ريب أنه أشق وأصعب وأما ثالثا فلأن جهاد العدو الظاهر أسهل لأن القوى البدنية كالغضب والشهوة تثوران عند محاربته طلبا لدفعه وتصيران تابعين للمجاهد فيما يراه ويأمر بخلاف جهاد العدو الخفي فإنهما تابعان للعدو ناصران له وأما رابعا فلأن مضرة العدو الظاهر دنياوية فانية ومضرة العدو الباطن أخروية باقية ومن كانت مضرته أشد وأعظم كان جهاده أكبر وأفخم ومن هنا ظهر سر ما روي: «نية المؤمن خير من عمله» لأنها أشق منه، (هيهات) أي بعد ظنكم بي.
(لا التقى لكنت أدهى العرب) الدهاء النكر والمكر والخدعة واستعمال الرأي في تحصيل المطالب الدنيوية وإن كان مخالفا للقوانين الشرعية وكان هذا الكلام صدر منه (عليه السلام) كالجواب لما كان يسمعه من أقوال الجاهلين بحاله ونسبتهم له إلى قلة التدبر وسوء الرأي في أمور الدنيا ونسبة غيره إلى جودة الرأي وحسن التدبر فيها لما بينهم من المشاركة في هذا العمل فمن كان فيه أتقن وأكمل كان عندهم أحسن وأفضل وغفلوا أنه (عليه السلام) كان في جميع حركاته على القوانين الشرعية ورفض ما كان عادتهم من استعمال الدهاء في الأمور الدنيوية فأفاد (عليه السلام) أن تمسكه بزمام الورع والتقوى منعه من الدهاء واستعمال كل فعل وقول وبطش مخالف للكتاب والسنة وإلا فهو أعرف بالدهاء وطرقه وكيفية استعماله من غيره ولم يكن ذلك مختصا به (عليه السلام) بل جاهل كل قوم يظن بعالمهم ذلك لأن العالم ملجم بلجام التقوى فطوره في معاملة الدنيا غير طورهم (أيها الناس إن الله تعالى وعد نبيه محمدا (صلى الله عليه وآله) الوسيلة) هي في الأصل ما يتوسل به إلى الشيء وجمعه الوسائل يقال: وسل إليه وسيلة وتوسل، وذكرت في الحديث مكررا وفسرت بالقرب من الله تعالى وبالشفاعة يوم القيامة وبالمنزل من منازل الجنة وهو المراد.
هنا كما سيصرح به (ووعده الحق) كل ما وعد به في الدنيا أو في الآخرة فهو حق مطابق للواقع ولن يخلف الله وعده أبدا لأن الخلف في الوعد كذب وهو على الله محال وهو كقوله تعالى: (إن الله لا يخلف الميعاد).
(ألا وإن الوسيلة أعلى درج الجنة) للجنة درجات يستقر فيها أهلها على تفاوت مراتبهم وأعلى درجاتها منازل الأنبياء والأوصياء وأعلى درجاتهم نبينا وأوصياؤه عليهم السلام والظاهر من العلو العلو الحسي ويحتمل العقلي باعتبار الشرف والرتبة. (وذروة ذوائب الزلفة) الزلفة القربة والمنزلة وتشبيهها بالصورة الحسنة في الرغبة وإثبات الذوائب لها وهي الخصلة المجتمعة من الشعر على الرأس مكنية وتخييلية والذروة بالضم والكسر الأعلى من كل شيء وإضافتها إلى الذوائب بيانية وحملها على الوسيلة من باب التشبيه بالسنام للبعير في العلو والارتفاع. والحاصل أن الوسيلة هي أعلى درجات القربة والمنزلة ويحتمل أن يشير بالذوائب إلى تفاوت درجات الزلفة وبذروتها إلى أعلى درجاتها ووجه المشابهة تدلي درجات