من جهة نقصه في القوة العقلية وأسره في يد القوى البدنية.
(وإن أفاد مالا) أفاده استفاده وأعطاه ضد، والمراد هنا الأول (أطغاه الغنى) جعله طاغيا عاصيا بالعجب والتكبر والتفاخر والضلال عن الحق كما قال عز وجل (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) (وإن عضته فاقة) وفقر وفيه مكنية وتخييلية.
(شغله البلاء) والمحنة والحزن على ما فاته خصوصا بعد حصوله عن الله وعن سلوك سبيله والعمل الخالص لوجهه.
(وفي نسخة: جهده البكاء) أي أتعبه لأن الفقير الطالب للدنيا المتعلق قلبه بها يبكي على فواتها كبكاء الثكلى وهذا أقبح من الأصل وأدل على كمال ضعفه.
(وإن أصابته مصيبة) في النفس والمال والحال (فضحه الجزع) والاضطراب الدال على خفته وسفاهته حتى يكشف مساويه عند الناس.
(وإن جهده الجوع) بكسر المزاج والطبيعة لقلة الغذاء (أقعد به الضعف) عن الحركات والأفعال اللايقة به، والغرض منه بعد إظهار عجزه وضعفه ترغيبه في رفع الجزاء برفع الشرط وتناول الغذاء على قدر يحتاج إليه في البقاء لا رفع الجزاء مع وجود الشرط كما في النصائح السابقة (وإن أفرط في الشبع) بأن جاوزه وهو حرام مع الضرر والأفضل دون الشبع.
(كظته البطنة) أي كربته وجهدته حتى عجز عن تحمله وهضمه، والبطنة بالكسر كثرة الأكل أو شيء يعتري من إمتلاء الطعام إنما قلنا: الأفضل دون الشبع، لأن الشبع وما فوقه يثقل البدن ويكدر الحواس ويجمد الشعور ولذلك قيل البطنة تذهب الفطنة وتورث القسوة والغلظة وقلة الأكل يوجب لطف الحواس وقلة الأبخرة المتعددة من التملي بالطعام والشراب وطهارة جوهر النفس من الحياة البدنية وكل ذلك سبب لاتصالها بعالمها واستشراقها الأنوار من الملأ الأعلى ثم أشار إلى كيفية التخلص من هذه الأضداد بقوله:
(فكل تقصير به مضر وكل إفراط له مفسد) فينبغي أن يكون بين هذا وذاك وهو الصراط المستقيم وسبيل الحق فإنه تحصل له حينئذ باعتدال القوى العقلية والشهوية والغضبية ملكة الحكمة والعفة والشجاعة وحصلت باشتباك هذه الأمور ملكة العدالة ويتأيد شرفه الذاتي بهذه الكمالات الشريفة وتمت خلافته في عالم الأبدان وتنقاد له جميع القوى والحواس حتى ينتهي سيره إلى منزل السعادة الأبدية.
(أيها الناس من قل ذل) القلة بالكسر ضد الكثرة وقل الشيء إذا لم يكثر وقله إذا أتى بقليل فالمعنى على الأول من قل ولم يكن له أنصار وأعوان ذل وهان عند الناس وفيه حث على اتخاذهم بالإحسان وحسن المعاشرة ليوم الحاجة كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا: «أيها الناس