وعن الركون إليها وصرف الفكر في تحصيلها والحث على الآخرة والأعمال الصالحة لها (ومن عرف الحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة) يعني المعروف بالحكمة النظرية والعملية وهي العلم بالقوانين الشرعية والعمل بها نظرت إليه العيون بالوقار له والهيبة منه لعظمته وكذلك كان حال الأنبياء والحكماء الراسخين في العلم والعمل وحمل الهيبة على هيبته من عظمة الله بعيد وفيه ترغيب في تحصيل الحكمة لما فيها من المنافع الدنيوية وأما المنافع الاخروية فظاهرة.
(وأشرف الغنى ترك المنى) الغنى ك «إلى» ضد الفقر وفي المصباح منى الله الشيء من باب رمى قدره والاسم المنا ك «العصا» وتمنيت كذا قيل: مأخوذ من المنا وهو القدر لأن صاحبه يقدر حصوله والاسم المنية والأمنية وجمع الأولى منى مثل غرفة وغرف وجمع الثانية الأماني وفيه استعارة حسية مرغبة في ترك المنى حيث شبهه بالغنى وجعله أشرف أفراده باعتبار أنه يوجب النفع والراحة والنجاة من التعب والهلاك في الدنيا والآخرة.
(والصبر جنة من الفاقة) فيه أيضا استعارة حسية مرغبة في الصبر حيث شبهه بالجنة وهي الترس ووجه التشبيه أن بالصبر يأمن من أصابه سهام الفاقة وثوران دواعي الاحتياج إلى ارتكباب المحرمات المورثة للهلاك والدخول في النار كما يأمن لابس الجنة من أذى الضرب والجرح الموجب للهلاك.
(والحرص علامة الفقر) في الآخرة لشغله عنها بالدنيا أو في الدنيا أيضا لأنه الفقير متشاركان في التعب والحزن والهم والاضطراب.
(والبخل جلباب المسكنة) الجلباب كسرداب وسمسار القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو هو الخمار ولعل الإضافة من باب لجين الماء والوجه هو الإحاطة والشمول والمراد أن البخل الحاجز للبخيل عن الإنفاق على نفسه وعياله وأهل الحاجة مسكنة محيطة به في الدنيا والآخرة كما روي عنه (عليه السلام): «عجب للبخيل يستعجل الفقر الذي هرب منه ويفوته إلى الذي إياه طلب فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء».
(والمودة قرابة مستفادة) أي مودة الناس والتقرب إليهم بها وفعل ما يوده الناس لذلك الفعل قرابة مستفادة مكتسبة وهم كالأقارب يؤنسونه في السراء ويعينونه في الضراء وينصرونه في الشدة والرخاء ويجتهدون له في تحصيل المطالب ورفع النوائب ومن ثم قال (عليه السلام): «التودد نصف العقل» لأن العقل نصفان نصف عقل المعاد ونصف عقل المعاش والتودد منه (ووصول معدم خير من جاف مكثر) الوصول من الصلة والجفاء ضدها والمكثر من أكثر إذا أتى بكثير، والمعدم الفقير من أعدم الرجل افتقر، والمراد أن الفقير الوصول الحافظ لصلة الأرحام وغيرها خير من الجافي القاطع الكثير الإعطاء لأن الجفاء مذهب للعطاء والمحبة وميل القلوب إلى الوصول أكثر.