الفضائل كما ذكره المحقق في علم الأخلاق ويتبعها الاعتدال في القوة الغضبية والعقلية أما الغضبية فلأنها معينة للشهوية في تحصيل مطالبها بالغلبة والتسلط فإذا اعتدلت اعتدلت، وأما العقلية فلأن فسادها بفساد هاتين القوتين وغلبتهما عليها فإذا اعتدلتا اعتدلت ووقعت في الوسط المقتضي للعلم والحكمة ومن هنا ظهر أن حصر الشهوة يتسبب لصيانة القدر وحفظ المنزلة عند الخالق والخلائق إذ قدر الرجل إنما هو باعتبار الكمال الحاصل من الإعتدال في تلك القوى وفي بعض النسخ: «ومن حصن شهوته».
(ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته) في القاموس: القوم الجماعة من الرجال والنساء معا أو الرجال خاصة أو تدخل النساء على التبعية والأمن ضد الخوف وفعله من باب فرح يعني من أمسك لسانه عن الأقوال المضرة بالفعل أو بالقوة كان قومه منه في أمن ونال حاجته منهم ومن غيرهم لميل القلوب إليه وهما فائدتان له في الدنيا وفائدته في الآخرة كثيرة.
(وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال) أي يعلم جواهر الرجال وطبايعهم وكونها حسنة أو قبيحة محمودة أو لئيمة بتقلب أحوالهم في الدنيا وتغيرها وتبدلها فإن ذا الجوهر الشريف والطبع اللطيف والنية الصادقة والعزيمة الثابتة لا يتغير أعماله ولا تتبدل أحواله بل يكون كما كان الطريق المستقيم والمنهج القويم ولا ينقص شيئا من عبادته ولا يترك أمرا من عادته وإن سطا الدهر عليه وغلب وسلب منه ما كسب وانعكس حاله وانقلب وفيه ترغيب في البقاء على الطاعات والصبر على المصيبات.
(والأيام توضح لك السرائر الكامنة) قد شاع عند الفصحاء والبلغاء نسبة ذلك إلى الزمان تجوزا باعتبار أن الزمان من الأسباب المعدة لظهور الأسرار المستورة التي في علم الله تعالى من خير أو شر ولذلك قيل: الأمور مرهونة بأوقاتها وقد تتفاوت الأزمنة في الاستعداد لقبولها ففي بعضها يكون الشر أكثر سيما زمان ضعف الشريعة التي هي سبب نظام العالم أو الحياة الأبدية وفي بعضها يكون الخير أكثر وهو الزمان الذي تكون أحوال الخلق منتظمة فيه خصوصا زمان قوة الشريعة ولعل فيه إيماء إلى ما وقع من أمر الخلافة وانقلاب أحوال الصحابة وسلطنة بني أمية وبني عباس وتغيير قوانين الشرع وشيوع الجور والظلم على أهله وترجيح المسئ على المحسن والدني على الشريف والجائر على العادل والباطل على الحق والرذائل على الفضايل أو الأعم منها ومن نوائب الدهر وفيه ترغيب للمؤمنين في الصبر عليها والرضا بالقضاء.
(وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة) هذا تمثيل متضمن لتشبيه زهرات الدنيا وزينتها وأسبابها الطالعة من مطالعها في سرعة زوالها وقلة الانتفاع بها واستعقابها ظلمة شديدة بالبرق الخاطف بالنسبة إلى من يخوض في الليل المظلم والغرض منه التنفير عنها