(والموعظة كهف لمن وعاها) أي الموعظة وهي ما اشتمل عليه الآيات العظيمة والسنة الكريمة من الوعد والوعيد وضرب الأمثال والتذكير بالقرون الماضية وأحوال الأمم الخالية والآراء المحمودة الجاذبة للقلوب القابلة إلى سبيل الحق كهف منيع وملجأ رفيع لمن وعاها وحفظها وتأثر قلبه اللطيف وذهنه الشريف بها فإنها تدفع عنه شهوات النفس ومكائد الشيطان وتمنعه عن السلوك في سبيل البغي وموارد العصيان وتجذبه إلى صراط الحق وطريق الجنان.
(ومن أطلق طرفه كثر أسفه) الطرف العين والطرف اللسان والفم والكل هنا مناسب وفي إطلاقه مفاسد كثيرة موجبة للأسف والحزن الطويل في الدنيا والآخرة.
(وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله) لكونه نعمة غير مترقبة باعتبار تضييقه على المؤمن لا لتحقيره وإذلاله بل لتعظيمه وإجلاله كيلا يشغل بالدنيا عن الآخرة ويمكن أن يراد به دهره (عليه السلام) وما يشابهه في الشدة والصعوبة ويؤيده قوله (عليه السلام) في بعض خطبه: «أيها الناس قد أصبحنا في دهر عنود وزمن شديد - إلى قوله - ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا» ونسبة الإيجاب وأمثاله إلى الدهر مجاز شايع عند العرب وإلا فالفاعل هو الله تعالى.
(وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان) النصف بالكسر والسكون العدل كالإنصاف والوسط بين الموضعين أي قل ما يعدل بك اللسان ويقتصر على النصف عند البيان في نشر القبيح والإحسان والمدح والذم للإنسان بل هو في الأكثر في حد التفريط والإفراط والطغيان وهذا في المعنى أمر بحفظه وقد كرره لكثرة مفاسده.
(ومن ضاق خلقه مله أهله) الملالة الضجر والسآمة، مله ومل منه سأمه، والخلق بالضم والضمتين السجية والطبع والمروءة والدين وفي النهاية وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها ولهما أوصاف حسنة وقبيحة الثواب والعقاب مما يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة ولهذا تكررت الأحاديث في مدح الأحاديث في مدح حسن الخلق في غير موضع وفيه تنفير عن سوء الخلق وترغيب في تصفية النفس عنه وعن الأمور المؤدية إليه بذكر بعض مفاسده الدنيوية وأما مفاسده الاخروية فكثيرة.
(ومن نال استطال) أي من نال الدنيا وكثر حطامها لديه استطال على الغير وطلب العلو والترفع عليه وفيه تنفير عن الدنيا وما يلزمها من الاستطالة والكبر جميعا.
(وقل ما يصدقك الأمنية) يحتمل تخفيف الدال من صدقني فلان إذا كان صادقا في خبره فكأن الأمنية تخبرك بحصولها وهي غير صادقة غالبا فكذبها ولا تلتفت إليها كما يحتمل تشديدها بناء على أن في نفسك حصولها ولا تحصل غالبا فلا تصدقك وفيه على التقديرين مكنية وتخييلية.