وفيه رد على من جوز استعمال الرأي في باب المعارف والأسرار والأحكام ونصب الإمام فما ذهب إليه بعض الصوفية ومنهم الغزالي في كتاب الكيميا من أنه يجوز انكشاف العلوم والبلوغ إلى مرتبة النبوة بالرياضة والمجاهدة بلا توسط نبي وأن الفرق بينه وبين النبي أن النبي مأمور بالتبليغ دونه لأن النبي مثلنا في الإنسانية كما قال: (إنما أنا بشر مثلكم) وأن العلم بالمحسوسات حجاب بين العبد والرب، باطل لدلالة الروايات الصحيحة على بطلانه ولأن هذا الرجل ينبغي أن يكون نبيا صاحب الوحي أمر بالتبليغ أولا والعلم بالمحسوسات والانتقال منها إلى الصانع وما له من الحكمة والقدرة على ما قرره الشرع ليس بحجاب كيف وقد حث عليه عز شأنه في آيات كثيرة منها قوله:
(ويتفكرون في خلق السماوات والأرض..) الآية ثم أنهم قالوا وجب الرجوع إلى المرشد وقد صرح به الغزالي في الكتاب المذكور فإن أرادوا بالمرشد النبي أو من أخذ الإرشاد منه فنعم الوفاق مع أنه مناقض لما مر أنه لا حاجة إلى توسط نبي وإن أرادوا غيره فهو أول البحث.
(والتدبر قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم) هذه كلمة جامعة للنصايح كلها إذ العمل شامل للأقوال والأفعال والعقائد مطلقا والندامة أعم من ندامة الدنيا والآخرة والمدبر قبل العمل بسبب ملاحظة ما يترتب عليه لا يأتي بما يضره أو غيره ويورث الندامة فيهما ويحبس كل عضو على ما هو المطلوب منه ولا يتحقق ذلك إلا برعاية قانون الشرع وآدابه وبالله التوفيق.
(ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ) لعل المراد أن من استقبل بالقلب الخالص عن الشبهات وجوه الآراء المختلفة المتفرقة ومقدماتها الوهمية والخالية وعرفها حق المعرفة عرف مواقع الخطأ فيها كما بين في موضعه مع أن مناط الرأي والقياس جمع المتشابهات في الحكم وتفريق المختلفات فيه والأمر بالعكس في كثير من المواضع، ويحتمل أن يراد بالوجوه الأدلة الشرعية المنصوبة على موارد الرأي والقياس الدالة على حكم مخالف لها فإن من استقبل إليها وعرفها عرف مواقع خطاء تلك الآراء وفيه على التقديرين زجر عن استعمال الرأي وحث على الرجوع إليه (عليه السلام) كما قال في بعض خطبه: «فاهدوا عني وانظروا ماذا يأتيكم به أمري».
(ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول) التعديل التقويم والتزكية والرأي في اللغة الاعتقاد مطلقا سواء كان له مستند شرعي أم لا وإن شاع عند المحدثين إطلاقه على الثاني ولعل المراد أن من أمسك عن الفضول من الأفعال والأقوال وهي ما لا ينفع وإن لم يكن موجبا للعقوبة عدلت عقول أهل العرفان رأيه واعتقاده وحكمت باستقامته وتزكيته لأن استقامة الظاهر بسبب استقامة الباطن ووجود المسبب دليل على وجود السبب.
(ومن حصر شهوته فقد صان قدره) لعل المراد بحصر الشهوة حبسها على القدر اللايق بها عقلا ونقلا وهو الوسط بين الأفراط والتفريط المقتضي للعفة المندرجة تحتها أنواع كثيرة من