أعجب ما أشار إليه إجمالا بقوله: (وله مواد من الحكمة) النظرية والعملية لأن له قوة نظرية بها يدرك المعقولات الكلية والأسرار الإلهية وصور المجردات وحقايق الأشياء كما هي ويطير بأجنحة الكمال إلى عالم الروحانيات ويدرك أيضا صور المحسوسات ووجوه الصناعات بتوسط الآلات وقوة أخرى عليه بها بتصرف في البدن وقواه فيأمر اللسان بالتكلم فيتكلم ويأمر البصر بالإبصار فيبصر وهكذا وهو بهذه القوة مع الاستعانة بالأولى يتخلى من الرذايل ويتحلى بالفضايل إن كانت القوى تابعة له ومحصورة على ما يليق بها ويجعله نصيبا لها، ثم أشار إلى أنه مع كماله وشرفه وكونه من العالم العلوي أمير في هذا العالم الجسماني فقير عاجز للهوى والحواس والقوى بقوله:
(وأضداد من خلافها) منشأ هذه هو القوة العملية وأشار إلى تفسير الأضداد إجمالا وهي أحواله العارضة المتولدة بعضها من بعض بقوله:
(فإن سنح له الرجاء) من الدنيا وأهلها (إذ له الطمع) فيها (وإن هاج به الطمع) فيها وحركه إلى الرغبة إليها (أهلكه الحرص) عليها وهو عدم الرضا بالواصل وصرف العمر في تحصيل غير الحاصل وهذه الصفات مترتبة في الوجود ناشية من الإفراط في القوة الشهوية مذلة للنفس والنفس مع كونها من عالم القدس ونظرها إليه بالذات كثيرا ما تصير مغلولة أسيرة لها والنجاة من حبسها إنما تكون بردها إلى الوسط وتقريرها عليه.
(وإن ملكها اليأس) من الدنيا العالية أو السافلة (قتله الأسف) والحزن الشديد على فواتها والأسف على اليأس من الأولى أقبح من الثاني والكل دليل على ضعفه من حيث انقياده لتلك القوة المتجاوزة على الوسط إلى حد الإفراط والتفريط حتى أنه يغتم بفوات مطلوبها.
(وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ) غضبه حركته نحو الانتقام أو انفعاله عن تلك الحركة ومبدؤه الطغيان في القوة الغضبية والأنفة عن تحمل ما هو ثقيل عليه والغيظ ثمرة الغضب يحصل من احتقانه وغليان النفس منه وسبب قريب لطريان أحكامه (وإن أسعد بالرضا) أسعده أعانه والمراد أنه أعين بالرضا وتهيأت له مقاصد الدنيا على الوجه المرضي عنده.
(نسي التحفظ) والتحرز عن مخاطرات النفس ومكائد الشيطان فيقع بذلك في مهاوي العصيان وفيه ترغيب في التيقظ وترك الغفلة في تلك الحالة.
(وإن ناله الخوف) من الخلق أو من فوات الدنيا (شغله الحذر) من المخوف عن أمر الآخرة وأما خوفه من الله والحذر من موجباته فهو من كماله وقوته.
(وإن اتسع له الأمن) في النفس والمال والجاه (استلبته الغرة) الشيطانية وأوقعته في موارد الشهوة النفسانية والاستمتاع بلذات الدنيا والاستلاب والاختلاس. والغرة بكسر الغين المعجمة الغفلة (وإن جددت له نعمة أخذته العزة) في نفسه وهي العجب أو على الغير فهي الكبر وكلاهما