(والتجلد قبل التبلد) الجلد محركة الشدة والقوة والجليد القوى الشديد وجلد ككرم جلادة وتجلد تكلف الجلادة والتبلد ضد التجلد تبلد أي تحير في أمره مترددا وفي كنز اللغة: تجلد جلدي كردن، تبلد كند كشتن وبرهم زدن از پشيمانى ومتردد شدن از حيرت، ولعل المراد أن التجلد في الأمور المطلوبة عقلا ونقلا ينبغي أن يكون قبل التبلد فيها إذ التبلد يوجب فواتها وفيه لوم لمن تجلد في الباطل وتبلد في الحق وحث لخلص أصحابه على الثبات والمتابعة (والحساب قبل العقاب) بالضرورة فلا ينبغي تأخيره إلى القيامة لإمكان ظهور الخيانة عند المحاسبة فيها ولا يمكن التدارك حينئذ بل ينبغي تقديمه والاشتغال به في الدنيا بأن يراقب المكلف أعضاءه ويعطي كل عضو منها ما طلب منه ويمنعه عما نهى عنه فإن صدر منه خلاف ما ينبغي تداركه بالتوبة والقضاء والأداء والإبراء ونحوها وهكذا يراعي حاله حتى يخرج من الدنيا سالما من المحاسبة في العرض الأكبر.
(والقبر خير من الفقر) أي من الفقر القلبي والإفلاس الحقيقي وهو فقر الآخرة لوجود الأعمال الباطلة وفقد الأعمال الصالحة أو من الفقر المعروف الذي لا يكون معه شيء ولا صبر ولا ورع حاجز عن المهلكات.
(وغض البصر خير من كثير من النظر) أمر بغض البصر وترك النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه إذ أكثر المفاسد والخطر إنما يحصل من إرسال النظر.
(والدهر يوم لك ويوم عليك) بإعطاء المطالب ومنعها (فإذا كان لك فلا تبطر) البطر محركة النشاط والأشر والطغيان والتكبر وفعل الكل كفر.
(وإذا كان عليك فاصبر) لأن الصبر في مواطن المكاره والشدائد من صفات الأنبياء والأولياء وهو مع كونه سببا للمقامات العلية الدرجات الرفيعة سبب أيضا لسهولة المحنة ونزول الفرج (فبكلهما تمتحن) فأنت دايما في الاختبار أما بأسباب تبطر والبغي والاستكبار أو بأسباب الجزع والشكاية والاصطبار.
وفي نسخة: (وكلاهما ستختبر) الاستخبار الاستعلام من الخبر بالكسر والضم العلم بالشيء كالاختبار وإفراد الفعل باعتبار اللفظ إن كان غائبا وإن كان خطابا يحتاج إلى إضمار.
(أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه) كل ما في الإنسان من الجوارح والأعضاء والعروق الساكنة والمتحركة والعظام الصغيرة والكبيرة والأعصاب الغليظة والدقيقة والرباطات الدقيقة وغيرها مما يشتمل على قليل منها علم التشريح أمر عجيب ووضع غريب يدل على قدرة الصانع وحكمته وتدبيره بحيث يعجز عن دركه عقول العقلاء وعن فهمه فحول العلماء وأعجب ما فيه قلبه وهو الجوهر المجرد المسمى بالنفس الناطقة التي خلقت له ساير الجوارح والقوى ووجه كونه