بالقوت أثبت وأبقى من الكنز لأنه لا ينقص ولا يغني بخلاف الكنز.
(ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة) البلغة ما تبلغ به من العيش، الكفاف من الرزق القوت وهو ما كف عن الناس وأغنى عنهم والدعة الخفض والسكون والراحة والتبوؤ النزول والاتخاذ يقال: تبوأ منزلا نزله واتخذه، والمراد به النزول في الراحة والسعة والتزامهما.
(والرغبة مفتاح التعب) شبه الرغبة بالمفتاح من حيث أن الرغبة في الزيادة عن الكفاف وإرادتها آلة فتح باب التعب لأن في تحصيلها وحفظها تعبا شديدا مع عدم الحاجة إليها وفيه زجر عنها ومنع من تحملها، قال بعض المحققين: فيه إشارة إلى مسألة وهي أن الإتيان بالفعل الاختياري لا يتصور إلا لمن رغب فيه أولا وقد برهن عليه في موضعه.
(والاحتكار مطية النصب) الاحتكار اللجاجة والظلم والاستبداد بالشيء وإساءة المعاشرة واحتباس الغلة لانتظار الغلاء والكل مناسب وتشبيه الاحتكار بالمطية من حيث أن النصب يرد عليه فكأنه يركب.
(والحسد آفة الدين) أي مرض مفسد له لأن الحاسد يضاد إرادة الله تعالى في التقسيم والتدبير والإفضال والإنعام ويحتقر نصيبه ويكفر به ويلتذ طبعه بمضار الناس وزوال نعمتهم ويغتم بمصالحهم ومنافعهم ويشتغل بالهم والحزن بمشاهدة انتظام أحوالهم ويصرف الفكر في تحصيل أسباب زوالها حتى لا يفرغ لتحصيل ما يعود نفعه إليه من الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة وحفظ ما حصل له من الملكات الخيرية والصور العلمية وكل ذلك موجب لفساد الدين ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب».
(والحرص داع إلى التقحم في الذنوب) لأن الحريص لا يبالي الدخول في المحارم من المكاسب والمآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والحرص على المباح أيضا مذمومة ألا ترى أن أبانا آدم (عليه السلام) لما حمله الحرص على الأكل من الشجرة مع كونه مباحا لحقه وذريته ما لحقه من المحنة والمصايب التي يعجز عن تحملها الجبال الرواسي.
(وهو داع إلى الحرمان) الظاهر أن الضمير راجع إلى التقحم في الذنوب لأن الدخول فيها بلا روية وإلقاء النفس عليها من غير مبالاة داع إلى الحرمان من الرزق ولكن يكون ذلك غالبا في المؤمن الممتحن وقد روي: «إن الله عز وجل إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسقم فإن لم يفعل به ذلك ابتلاه بالحاجة فإن لم يفعل ذلك شدد عليه بالموت ليكافيه بذلك الذنب» ويحتمل أن يعود الضمير إلى الحرص لأن الحرمان عن المطلوب لازم للحرص إذ مراتب الحرص على الأمور غير محصورة وحصول تلك الأمور كلها متعسر جدا فالحريص دائما في ألم الحرمان.