تفضلا شكر كما أن الإتيان بما يوافق ذلك الاعتراف ويدل عليه من الأقوال والأفعال المطلوبة للمنعم والموافقة لأوامره ونواهيه شكرا أيضا وترك شيء من ذلك كفران للنعمة وجحد للمنعم وتعظيمه وهو يوجب اللوم والتعنيف في الدنيا والآخرة والحمل للمبالغة.
(وصحبة الجاهل شؤم) فسر (عليه السلام) في بعض كلامه الجاهل بأنه من لا يضع الأشياء مواضعها، وقيل: هو من لا يعرف أحوال الموت وما بعده من سعادة الآخرة وشقاوتها وإنما يعرف الدنيا وما فيها، ولا خفاء في أن صحبته شؤم مطلقا سواء كان جهله مركبا أم بسيطا لأن طبعه لئيم وذهنه عقيم وفعله سقيم وقوله أليم وكل ذلك علة مسرية إلى الجليس وإن كان ذا عقل شريف وطبع نظيف ففي صحبته مضار غير معدودة وفي تركها منافع غير محدودة.
(إن من الكرم لين الكلام) عند معاملات الناس ووعظهم ومحاورتهم وهو من أجزاء التواضع وله تأثير عظيم في حسن المعاشرة وجذب القلوب وتحصيل الفوائد والكرم يطلق على سعة الخلق والخير والفضل والشرف والجود والعزة والصفح والعظمة والتنزه عن مخالفة الرب (ومن العبادة إطهار اللسان) في كنز اللغة: أطهار پاك كردن، يريد اطهاره عن الفضل من القول ووضعه في غير موضعه والغيبة والنميمة والشتم والهجو القذف ونحوه وكل ذلك في طرف الإفراط من العدل ومهلك في الدنيا والآخرة والظاهر أن الإظهار بالظاء المعجمة كما في بعض النسخ تصحيف ولو صح كان المراد باللسان القول الحق أو التكلم عن قومه حيث عجزوا عن البيان.
(وإفشاء السلام) مبتدئا ومجيبا والأول أفضل مجهرا به على البر والفاجر والوضيع والشريف والصغير والكبير إلا من أخرجه الدليل مثل اليهودي والنصراني وغيرهم من أرباب الملل الباطلة ولو بدؤوا بالسلام فقل: عليك أو سلام، كما دلت عليه الروايات وفي بعضها جواز السلام عليهم عند الحاجة إليهم إلا أنه لا ينفعهم.
(إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم) الجاهل بالله واليوم الآخر المايل إلى الدنيا وأما الكريم فإنه يستنكف منها ويعدها عيبا شديدا ولذلك لم تكن من خصال الأنبياء والأوصياء والتابعين لهم.
(ليس كل طالب يصيب) نفر عن الدنيا وطلب حطامها بذكر غايتها وهو عدم الإصابة إما لفقد أسبابها أو لمصلحة أو لوجود مانع منها وأشد الموانع أن تحصيلها أكثر ما يكون بمنازعة أهلها عليها ومجاذبتهم إياها ومن المعلوم أن ثوران الشهوة والغضب والحرص عند المجاذبة للشيء وقوة بعضهم سبب لتقويته على الآخرين ووجه التنفير أن شدة السعي والتعب على الشيء مع عدم إصابته مكروهة للسامعين.
(ولا كل غايب يؤوب) يحتمل وجهين أحدهما أن ما مضى من عمرك لا يرجع فاغتنم ما بقي وتدارك ما فات وإليه أشار (عليه السلام) بقوله: «ولو اعتبرت ما مضى حفظت ما بقي» وثانيهما أن الدنيا بعد