كتمان العلم والحق مع القدرة على إظهارهما مثل إفشاء الجهل والباطل في الحرمة وأما بدون القدرة فقد يجب الكتمان كما دلت عليه الروايات المتكثرة.
(واعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم) يعني من لم يملك لسانه وأجراه في ميدانه وتكلم في كل طور من الأسرار والعلوم والمجادلة والمخاصمة والجرح والغيبة والتهمة والكذب والتكذيب والمضحكة والمزاح الكثير وكل ما لا يعني من غير تفكر في حسن حاله وقبح مآله يندم بالآخرة لما رآه من الإفساد وذل النفس واحتقارها وسفهها واستهزاء الحاضرين ومعاداة السامعين ولا ينفعه الندم وقد روي: «إن نجاة المؤمن من حفظ لسانه» وبالجملة في كثرة الكلام وإظهار ما ينبغي إخفاؤه وبال الدنيا ونكال الآخرة وإنما أمر بالعلم أو لا للاعتناء بمضمون هذه النصيحة وليس المقصود مجرد العلم به بل المراد به العمل بمقتضاه.
(ومن لا يعلم يجهل) يعلم مجهول من التعليم والتعليم إنما يكون من معلم رباني وفيه إشارة إلى أن الناس يحتاجون في رفع الجهل عنهم إليه، أو معلوم من العلم أي من ليس له حقيقة العلم فهو جاهل إذ لا واسطة بينهما فوجب تحصيله أو المراد من لم يعلم قدره فهو جاهل لأن العلم مستلزم لمعرفته وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم ويؤيده قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره».
(ومن لا يتحلم لا يحلم) التحلم إظهار للحلم واستعماله إياه بنوع كلفة حتى يظن أنه متصف به وفيه ترغيب في التحلم لتحصيل الحلم لأن الحلم المكتسب إنما يحصل به حتى يصير ملكة (ومن لا يرتدع لا يعقل) ردعه عنه كمنعه كفه ورده فارتدع أي من لا يرتدع عن القبايح وطريق الضلال ولا يكف نفسه عنهما لا يعقل أصلا أو لا يعقل قبحها وفسادها وسوء خاتمتها إذ لو عقلها لارتدع عنها وفيه لوم للصحابة أيضا حيث تركوه وأقبلوا إلى الباطل (ومن لا يعقل يهن) بالاستخفاف والاستحقار والاستهزاء لأن غير العاقل سفيه مستحق لجميع ذلك في الدنيا والآخرة (ومن يهن لا يوقر) بالضرورة لأن الإهانة ضد للتوقير والتعظيم ووجود أحد الضدين يستلزم نفي الآخر.
(ومن لا يتوقر يتوبخ) وبخه توبيخا فتوبخ لامه وعذله وأنبه وهدده وقبول هذه المعاني لازم لعدم التوقير، وهذه المقدمات إذا اعتبرت انتاجها ينتج أن من لم يرتدع يتوبخ وفي بعض النسخ المعتبرة «ومن يتق ينج» بدلا للمذكور.
(ومن يكتسب مالا من غير حقه) الضمير للكسب أو للمال والأخير أولى ليوافق الضمائر الآتية (يصرفه في غير أجره) وإن أعطاه مسكينا أو أطعمه جائعا لأن الواجب عليه رده إلى صاحبه والغرض أنه لا آجر في صرفه وأما أنه يعاقب به فيعلم من مقام آخر.
(ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم) أي من لم يترك الدنيا والقبايح بالاختيار وهو