إنما يظهر لحس البصر إذا كان محفوفا بالجلابيب الجسمانية ملازما لوضع خاص وتوسط بين القرب البعد المفرطين وأمثال ذلك وهو يظهر بالحس المشترك عريا من تلك الأمور التي كانت شرط ظهوره لذلك الحس، ألا ترى إلى ما يظهر في اليقظة من صورة العلم فإنه في تلك النشأة أمر عرضي ثم أنه يظهر في النوم بصورة اللبن فالظاهر في الصورتين سنخ واحد تجلى في كل موطن بصورة وتحلى في كل نشأة بحلية وتزيا في كل عالم بزي ويسمى في كل مقام باسم فقد تجسم في مقام ما كان عرضا في مقام آخر.
(وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط) الحصر إما للمبالغة في توقف الأمور الثلاثة عليهما أو لأن غيرهما من الأعمال الصالحة سبب لرفع الدرجة في الجنة، ثم المراد بهما أن لهما هذه الفضيلة بشروطها ومن شروطها الإقرار بالولاية بل له مدخل في تحقيق حقيقتها عند أهل الحق.
واعلم أن الصراط الموعود به في القرآن والسنة حق يجب الإيمان به وإن اختلف الناس في حقيقته فظاهر الشريعة والذي عليه جمهور المسلمين ومن أثبت المعاد الجسماني يقتضي أنه جسم في غاية الدقة والحدة ممدود على جهنم وهو طريق إلى الجنة يجوزه من أخلص لله ومن عصاه سلك عن جنبيه أحد أبواب جهنم وقيل: هو دين الإسلام والحق أن كلا القولين صادق ويؤيده ما ذكره بعض العلماء من أنه روي عن الحسن العسكري (عليه السلام) «إن الصراط صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة فأما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام ولم يعدل إلى شيء من الباطل» وصراط الآخرة هو طريق المؤمنين إلى الجنة لا يعدلون عن الجنة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنة والناس في ذلك متفاوتون فمن استقام على هذا الصراط وتعود سلوكه مر على صراط الآخرة مستويا ودخل الجنة أما قوله (عليه السلام): «فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير» ما ذهب إليه بعض الحكماء في تفسير الصراط وقالوا: هو الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادة كالسخاوة بين التبذير والبخل والشجاعة بين التهور والجبن والاقتصاد بين الإسراف والتقصير والتواضع بين التكبر والمهانة والعفة بين الجمود والشهوة والعدالة بين الظلم والانضلام فالأوساط بين هذه الأوصاف المتضادة هي الأخلاق المحمودة ولكل واحد منها طرفا تفريط وإفراط هما مذمومان والصراط المستقيم وهو الوسط (وبالصلاة تنالون الرحمة) المراد بالصلاة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وبالرحمة القرب والكرامة، ورفع الدرجة (أكثروا من الصلاة على نبيكم) ذكر أم لم يذكر ومرجع الإكثار العرف واختلف الأمة في وجوبها فقال بعض العامة وجبت في العمر مرة، وقال بعضهم: في كل مجلس، وقال بعضهم: كلما ذكر، منهم الزمخشري وهو منقول عن ابن بابويه من أصحابنا: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا