العقل من أفراد المال تجوز واستعارة والوجه الانتفاع وفيه ترغيب في اكتساب العقل بالعلوم والآداب (ولا فقر أشد من الجهل) لأن الفقر عدم النافع وأشد النافع هو العلم ولا فقر أشد من الجهل لاشتراك الفقر والجهل في العجز عن تحصيل المرام وعجز الثاني أشد لأنه في الدنيا والعقبى وعجز الأول في الدنيا فقط وفي التنفير عن الجهل بجعله من أشد أفراد الفقر تنفير عن الفقر أيضا وهذا ينافي ما ورد من مدح الفقر والفقراء والترغيب فيه ويمكن دفعه أولا بأن المراد بالفقر هنا ما يكسر الظهر ويدفع الصبر وهو الذي وقع الاستعاذة منه في بعض الروايات، وثانيا بأن المراد به الفقر الظاهري مع الفقر الباطني والمتصف به من جمع فيه فقر الدنيا وعذاب الآخرة، وثالثا بأن المراد به الفقر المعروف المتنفر عند الناس وهذا القدر كاف في تشبيه الجهل به والتنفير عنه.
(ولا واعظ أبلغ من النصح) الواعظ يدعو إلى الخيرات ويمنع عن المنهيات ونصح القرآن والسنة أبلغ منه فهو أولى بالاستماع لأن النداء الرباني أولى بالاتباع من النداء الإنساني وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض خطبه بقوله: «كيف يراعي النبأة من أصمته الصيحة»؟ أي كيف يحفظ الصوت الخفي من أصمته الصيحة الإلهية والنبوية؟ استعار (عليه السلام) النبأة لدعائه (عليه السلام) لهم وندائه إلى سبيل الحق والنصيحة لخطاب الله ورسوله وهي كناية عن ضعف دعائه بالنسبة إلى قوة دعاء الله تعالى وتقرير ذلك أن الصوت الخفي لا يسمع عند القوى لاشتغال الحواس به وكان كلامه (عليه السلام) أضعف في جذب الخلق إلى الحق من كلام الله وكلام رسوله فأجراه مجرى الصوت القوي وأجرى كلامه مجرى الصوت الخفي، واسناد الإصمام إلى الصيحة ترشيح له للاستعارة إذ من شأن الصيحة العظيمة الإصمام ذا قرعت السمع.
(ولا عقل كالتدبر) في العواقب ليسلم عن المكاره والنوايب والعقل قوة بها إدراك المعقولات والمحسوسات بتوسط الآلات وقد يطلق على الإدراك أيضا، والتدبر النظر في عاقبة الامر وهو دليل على العقل حتى أن من لا تدبر له لا عقل له، فلذلك فضله عليه ورغب فيه (ولا عبادة كالتفكر) في الأمور من حيث الصدور وعدمه إذ بالتفكر يشاهد صور المعقولات ويبصر وجوه العبادات فهو مع كونه عبادة أصل للبواقي والأصل أفضل من الفرع.
(ولا مظاهرة أوثق من المشاورة) في الأمور مع الأصدقاء وأصحاب العقول والأذكياء فإن معاونة العقول أقرب من الوصول إلى المطلوب وأدخل في حصول الألفة بينهم ولذلك خاطب الله تعالى حبيبه مع كمال عقله ولطف جوهره بقوله: (وشاورهم في الأمر).
(ولا وحشة أشد من العجب) لأن المعجب لما رأى في نفسه من الفضل والكمال واعتنى به حتى أخرجه عن حد الاعتدال يستوحش من غيره وذلك الغير أيضا يستوحش منه ويتنفر عنه إلا