ذكرنا ولما كان في وهم القاصر أن علمه تعالى بالمكان والمكانيات كعلمنا بها في الافتقار إلى الحواس والآلات دفعه بقوله:
(وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها) لأن علمه تعالى بالمحسوسات ليس من جهة الحواس والآلات الجسمانية والقوى البدنية كعلمنا بها وذلك لأنه منزه عن الصفات الجسمانية والأدوات البدنية ولاستحالة افتقاره في علمه إلى الغير لأنه من خواص الإمكان وفي قوله «لا يكون العلم إلا بها» إيماء إلى أن نفي كون علمه تعالى بأداة إنما يحتاج إليه في العلم بالمحسوسات لأنه محل الوهم لا مطلقا.
(وليس بينه وبين معلومه علم غيره.. اه) بالتنوين والتوصيف أي ليس بينه وبين معلومه علم مغاير له تعالى بسببه كان عالما بمعلومه بل ذاته تعالى علم بمعلوماته ولو قرىء علم بالإضافة كان معناه ليس بينهما علم مغاير له تعالى بعلم ذلك العالم كان عالما بمعلومه وهو حينئذ رد على من ذهب إلى أنه يعلم الأشياء بصورها الحالة في المبادي العالية والعقول المجردة أو على من ذهب إلى أن إيجاده للخلق ليس من باب الاختراع والاهتداء، توضيحه أنه ليس إنشاؤه للخلق على وجه التعليم من الغير بحيث يشير عليه وجه الصواب حتى يكون أقرب إليه كما أشار إليه جل شأنه بقوله (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) وأشار إليه أمير المؤمنين في بعض خطبه بقوله «مبتدع الخلائق بعلمه بلا اقتداء ولا تعليم».
(إن قيل: كان فعلى تأويل أزلية الوجود) لما فهم من قولنا: فلان كان موجودا، حدوث وجوده في الزمان الماضي لدلالة «كان» عليه، أشار عليه الصلاة والسلام إلى نفي ذلك بأن المراد به أزلية وجوده. والأزل عبارة عن عدم الأولية والابتداء وذلك أمر يلحق واجب الوجود لما هو بحسب الاعتبار العقلي وهو ينافي لحوق الابتداء والأولية لوجوده لاستحالة اجتماع النقيضين (وإن قيل:
لم يزل، فعلى تأويل نفي العدم) لما فهم من قولنا: لم يزل موجودا كون وجوده في الزمان وعدم زواله عنه، أشار إلى نفي ذلك - إذ لا زمان لوجوده - بأن معناه نفي العدم عنه وأن وجوده ليس مسبوقا.
(فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره) أشار إلى أن من لم يعرفه على الوجه المذكور واعتقد أنه تعالى يدرك بالعقل والوهم بكنه ذاته وصفاته ويشابه الخلق بوجه من الوجوه أو يدخل التفاوت والتجزية في ذاته أو يحيط به المكان أو يعلم الأشياء بعلم زائد أو بعلم عالم آخر أو يلحق الزمان بوجوده إلى غير ذلك مما لا ينبغي له فقد اتخذ إلها غيره وعبد من لم يستحق العبودية فهو شرك بالله العظيم.
(نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه) حمده بعد الحمد على