(والبغي سائق إلى الحين) البغي الزنا والخروج طاعة الإمام والاستطالة والكذب. والحين بفتح الحاء المهملة الهلاك والمحنة والبغي بالمعاني المذكورة مستلزم لهما كما دلت عليه روايات أخر.
(والشر جامع لمساوي العيوب) في كنز اللغة: شر سوء وبدى ومساوى بديها والمقصود أن الشر أمر كلي يندرج فيه جميع أفراد المساوي والعيوب كما أن ضده وهو الخير كلي جامع لجميع المحاسن والمتصف بالمحاسن والمساوي يشمله الوعد والوعيد في قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال بعض المحققين: كل واحد من الخير والشر إما مطلق كالعقل وعدمه وإما مقيد كالمال ونحوه وفي النسخ المصححة «الشره» بالهاء وفتح الراء وهي غلبة الحرص.
(رب طمع خائب) الطمع بما في أيدي الناس مع كونه مهانة ظاهرة ومذلة حاضرة أكثره خائب والعاقل لا يرتكب العار مع الفوائد العظيمة فكيف ترتكبه مع عدمها.
(وأمل كاذب) الأمل في المقتنيات الفانية مع كونها مانعا من التوجه إلى الآخرة وسبب لزوال ما حصل من أحوالها في الذهن أكثره كاذب لا يحصل أبدا والعاقل لا يعقد قلبه عليه (ورجاء يؤدي إلى الحرمان) من المرجو وإن كان من الله كرجاء ثوابه والتجاوز عن عقابه مع الاستمرار في العصيان لأن ذلك الرجاء حماقة كما دل عليه بعض الروايات وكذا من الخلق فإن حصول المرجو منهم نادر جدا، وبالجملة الرجاء من الله حسن بشرط الطاعة ومن الخلق مذموم مطلقا واعلم أن الطمع والأمل والرجاء متقاربة في اللغة ويمكن الفرق بأن المطلوب من الطمع أقرب في الحصول من المرجو ويؤيده أن الحرص معتبر في مفهوم الطمع والحرص على الشيء لا يكون إلا إذا كان ذلك الشيء ممكنا قريب الوقوع والمرجو أقرب في الحصول من المأمول والله أعلم.
(وتجارة تؤول إلى الخسران) كما يكون في تجارة الدنيا كذلك يكون في تجارة الآخرة من كسب الأعمال والعقايد والأخلاق فإن العمل كثيرا ما لا يقع على الأمر المعتبر في ذاتياته وصفاته وشروطه ويحصل بذلك انحراف عن الدين وضلال عن الحق فيضيع العمل ويخسر كما في الخوارج وأضرابهم وفي هذه الفقرات توبيخ للناس على إدبارهم عن الآخرة وإقبالهم إلى الدنيا وتنفير لهم عنها بذكر الخيبة والكذب والحرمان والخسران وليست الدنيا كل من طلبها وجدها، عن النبي (صلى الله عليه وآله) «من جعل الدنيا أكثر همه فرق الله عليه همه وجعل فقره بين عينيه ولم يأته منها إلا ما كتب له».
(ومن تورط في الأمور) أي وقع فيها فلم يسهل المخرج منها، والورطة الغامض والهلكة وكلما يعسر النجاة منه وأصله الهوة العميقة والوهدة من الأرض ثم استعيرت للأمر المذكور (غير ناظر في العواقب) يعرف حسنها وقبحها وصلاحها وفسادها.