عقولهم حيث لم يعرفوا معنى الآية فإن قلت: أكثرهم أهل اللسان فكيف لم يعرفوا معناها؟ قلت:
المراد أنهم لاذهانهم السقيمة وأفكارهم العقيمة أخطأوا في المقصود منها فزعموا أنهم المؤمنون الصالحون المتقون وأن من عداهم ممن رفض طريقتهم هم الفجار المفسدون فقلبوا المقصود لفساد قلبهم ذلك مبلغهم من العلم ولذلك أدرج لفظ الوجه لأن وجه الكلام هو السبيل المقصود منه.
(أكرموا أنفسهم عن أهل الباطل) لعله استيناف ولذلك ترك العاطف كأنهم قالوا إذا أوجب علينا النزول في منزلتنا والفرار من منزلتهم فكيف نصنع إذا كنا معهم فأجاب بما ذكر يعني عظموا أنفسكم وشرفوها عن ظلم أهل الباطل وجورهم بالموافقة في العمل تقية منهم (فلا تجعلوا لله تعالى وله المثل الأعلى) أي الشرف الأعلى من جميع الوجوه والواو للعطف (وإمامكم ودينكم الذي تدينون به) أي تعبدون ربكم وتطيعونه.
(عرضه لأهل الباطل) العرضة بالضم المنصوب تقول جعله عرضة للناس أي نصبة لهم فلا يزالون يقعون فيه ويذكرون عيوبه وفي كنز: «اللغة العرضة در ميان انداخته».
(فتغضبوا الله عليكم) بفعل ما يوجب غضبه وعقوبته (فتهلكوا) على صيغة المجهول من الإهلاك أو المعلوم من الهلاك، وفعله كضرب ومنع وعلم.
(لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته) كما قال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (فيغير الله ما بكم من نعمة) متفرع على الترك وقد جرت سنة الله أن لا يغير ما بقوم من النعمة حتى يغيروا ما عليهم من الطاعة كما وقع ذلك في كثير من الأمم الماضية.
(أحبوا في الله من وصف صفتكم) أي في سبيل الله أو بسبب الله، منشأ تلك المحبة هي الاشتراك في دين الحق واتحاد المطلوب والطريق الموصل إليه والرفاقة فيه واتحاد الأصل لأن المؤمنين أخوة بل هم كنفس واحدة وكونها في الله مشروط بأن لا يشوب بشيء من أغراض الدنيا فإنه لا اعتناء بها ولاثبات لها وقس على ذلك البغض في الله.
(وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم) النصيحة إرادة الخير للمنصوح له ويعتبر في حقيقتها الخلوص عن الغش والمراد ببذلها إرشاده إلى الخير وببذل المودة بذل آثارها ولوازمها ومن جملتها دفع المكاره والشر عنه وجلب المنافع والخير له.
(وبغاكم الغوايل) أي الدواهي والمكاره وفي دستور: «اللغة الغائلة بدى».
(هذا أدبنا أدب الله) لأنه بأمره ووحيه وهو شامل للمحاسن والمحامد كلها وفي كنز: «اللغة الأدب كار پسنديده» ولكل عضو منه نصيب فأدب العين النظر إلى المصنوعات مثل الإستدلال بها