لطف الحق وتوفيقه الحاجز بين العبد والمعصية أو الملك الموكل بقلبه لدلالته على الخيرات فإذا رفعه منه وقع في الشرور والفرق بينه وبين التخلية كالفرق بين اللازم والملزوم لأن كشف الستر مستلزمة للتخلية.
(فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر) «بعد» بالضم والتنوين مبتدأ و «ما» زائدة للمبالغة في التعظيم والظرف خبر، والفعل محتمل والمقصود أن بينهما مباينة في الذات والصفات لأن ذات المؤمن وصفاته نورانية وذات الكافر وصفاته ظلمانية فلا جامع بينهما (سلوا الله العافية) من حال الكافر أو من الذنوب والأسقام أيضا.
(صبروا النفس على البلاء في الدنيا) تصبر النفس حملها على الصبر، والبلاء بالفتح الامتحان وشاع استعماله فيما يختبر به مثل التكاليف والأمراض والمصائب والفقر وتحمل الأذى ونحوها ومما يسهل الصبر النظر فيما ورد على الصلحاء من البلاء مما يعجز عن إدراك كميته عقول الأعلام وعن بيان كيفيته بيان الأقلام من تدبر فيه وفي حسن عاقبته وصبرهم عليه تيقن أن ذلك ليس لأجل استحقاقهم واستحقارهم بل لرفع درجتهم وإعلاء منزلتهم تلقاء بالقبول تأسيا بهم (فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته) الشدة بالنصب عطف على التتابع واحتمال نصبها على المعية بعيد كاحتمال جرها عطفا على البلاء والولاية بالفتح النصرة وبالكسر السلطان والإمارة، وزهرة الدنيا زينتها وبهجتها وكثرة خيرها وغضارة عيش الدنيا طيبها ولذتها يقال: إنهم لقى غضارة من العيش أي في خصب وخير، و «في» متعلق بملك الدنيا ومن متعلق بخير والتفضيل باعتبار فرض الفعل وتقديره في المفضل عليه والمقصود أن المشقة في الدنيا مع الطاعة خير من الراحة فيها مع المعصية أما الطاعة فظاهرة وأما المشقة فلأن فيها ثواب وفي الراحة حساب، ولو قال: في طاعة الله لفهم أن المشقة في الدنيا خير من الراحة فيها وليس ذلك بمقصود وإنما المقصود ما ذكر لترغيب أهل الحق في الصبر على المشقة والطاعة وبيان أنهما خير من الراحة والمعصية التي من جملتها ترك الولاية ورفض طاعة الإمام (عليه السلام)، ولما أمر بصبر النفس على البلاء والطاعة وولاية من أمر الله بولايته ورفض ولاية من نهى الله عن ولايته أراد أن يشير على وجه المبالغة إلى تحقيقه وسببه وبيان من اتصف بالولاية الأولى ومن اتصف بالولاية الثانية وبيان شيء من أحوالهما والغاية المترتبة على جميع ذلك.
(فقال: إن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم الله في كتابه في قوله وجعلناهم أئمة) بتطهير ظاهرهم وباطنهم عن الأرجاس كلها ونصبهم للخلافة والإمامة وهي كالرسالة من قبله تعالى إذ هي