من أحد من الناس لتضمنه معنى الشيطنة التي تقتضي الحذر منهم بالتقية وحينئذ يكون قوله: «فإن الشياطين الإنس» بيانا وتفصيلا لما تضمنه معنى الشيطنة وإنما قلنا الظاهر ذلك لأنه يحتمل أن يكون تفصيلا وبيانا لإثبات معنى آخر للمخرجين من صفة الحق وهو التمرد والشيطنة والقول المذكور حينئذ تعليل لقوله: «لا يعرفن» ثم أن أريد بمن الموصولة الإنس والجن فحمل شياطين الإنس والجن عليهم ظاهر، وإن أريد به الإنس فحمل شياطين الجن عليهم من باب التشبيه في التمرد والشيطنة والمراد بالحيلة استعمال الحذق والتصرف في الأمور للتوصل بها إلى المقصود وبالمكر إيصال المكروه إلى الغير من حيث لا يعلم الخديعة هذا المعنى أو تلبيس شبهات باطلة بلباس الحق لإنخذاع الغير بها وبالوسوسة مشاورة بعضهم بعضا في تحصيل أسباب الغلبة والإضرار ولما كان هذا مظنة أن يقال ما غرضهم من الحيلة وما عطف عليها أجاب على سبيل الإستيناف بقوله:
(يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله) وهو الدين الذي أنزله إلى رسوله وأكمله للناس بولاية علي (عليه السلام) والمراد بالنظر فيه العلم به والتصديق بحقيته.
(إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب.. اه) مفعول له ليريدون والأصل أن يستوون هم وأهل الحق عدل عن الضمير إلى الظاهر لقصد دمهم صريحا بنسبة العداوة إليهم ولعدم حاجة صحة العطف إلى الضمير الفصل والمراد بالشك دينهم الباطل أو الشك في دين الحق وبالإنكار الإنكار لقول الله تعالى وبالتكذيب التكذيب لقول رسوله في التنصيص بالولاية.
(فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله من حيلة شياطين الإنس ومكرهم من أموركم) في القاموس: هاله يهوله هولا: أفزعه كهوله فاهتال فعلى هذا يجوز في لا يهولنكم تخفيف الواو وتشديدها ورده عن الأمر صرفه عنه فارتد هو وضمير الجمع الفاعل المحذوف راجع إلى أعداء الله أو إلى شياطين الإنس ولعل النهي راجع إلى الإهتيال والارتداد المقصودين من الفعلين وقوله: «من حيلة شياطين الإنس» متعلق بالفعلين و «من» إما ابتدائية أو للتعليل أو بمعنى الباء والأصل من حيلتهم عدل عن الضمير إلى الظاهر لنسبة الشيطنة إليهم وتوبيخهم عليها ومن أموركم متعلق بمكرهم ومن كالمذكورة في المعاني الثلاثة أو بمعنى في أي لا تخافوا ولا ترتدوا عن نصرة الحق من أجل حيلتهم ومكرهم من أموركم واخيالهم في صرفكم عنها فإنهم شياطين الإنس «وأن كيد الشيطان كان ضعيفا».
(تدفعون عنهم السيئة بالتي هي أحسن.. اه) لعل المراد بالسيئة عداوتهم وإضرارهم وبالتي