وراغبون في المعصية والطغيان.
(فإن الله ربكم) أخرجكم من العدم وأفاض علكيم الوجود وتوابعه من الكمالات وأعطاكم نعمه ظاهرة وباطنة ورباكم في جميع الحالات وكل ذلك يقتضي طاعتكم له بقدر الإمكان (واعلموا أن الإسلام هو التسليم والتسليم هو الإسلام) أي الإسلام هو التسليم لله ولرسوله ولأولي الأمر والانقياد لهم في الأوامر والنواهي وليس هو بمجرد القول وفي تعريفها باللام وتوسيط الضمير دلالة على الحصر والتأكيد فيه هذا بناء على التلازم بينهما ويمكن حمله على إتحاد الحقيقة يعني أن عرفت معنى الإسلام والتسليم وحقيقتهما فهذا ذاك فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام له لأن وجود اللازم على وجود الملزوم وعدمه على عدمه وعلى القول بالاتحاد فالأمر ظاهر.
(ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع الله.. اه) الإبلاغ الإيصال يقال: أبلغ إليه شيئا أي أوصله إليه وفي زائدة للتأكيد مثل (اركبوا فيها بسم الله مجريها) أو هي كإلى متعلقة بيبلغ بتضمين معنى الإجتهاد أو بمفعول مقدر أي من سره أن يوصل إلى نفسه إجتهادا في الإحسان فليطع الله في أوامره ونواهيه ويحتمل أن يراد بالإبلاغ المبالغة وهي الإجتهاد يقال: بالغ في كذا إذا اجتهد فيه، وإلى حينئذ متعلقة بالإحسان وتقديم معمول المصدر إذا كان ظرفا ونحوه جائز (وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها) أي تتبعوها من ركبت الأثر إذا تبعته أو تعلوها بتشبيه المعصية بالدابة في إيصال صاحبها لي منزل الشقاوة ونسبة الركوب إليها مكنية وتخييلية.
(وليس بين الإحسان والإساءة منزلة فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة) ولأهل الإساءة عند ربهم النار كما قال تعالى: (فريق في الجنة وفريق في السعير) قال الأمين الأسترآبادي: قد تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار بأن الناس ثلاثة أصناف منهم من هو تحت المشية فالظاهر أن مراده (عليه السلام) أن الذي أبرم الله أمره قسمان.
أقول: يريد أن الذي وقع الحتم فيه قسمان لا ثالث لهما لأنه إما مقر بالولايات المذكورة متمسك بشروطها أو منكر لشيء منها فالأول محسن والثاني مسيء وأما المستضعف وهو من لم يقر ولم ينكر فهو خارج عن المقسم فلا يرد أنه قسم ثالث (واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد) أي لا يصرف ولا يكف عنكم أحد ممن ذكر شيئا من عقوبة الله إلا برضاه عنكم ولم يذكر الاستثناء لظهوره ولدلالة التفريع عليه وهو قوله: (فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فيطلب متضرعا إلى الله) أي فليرغب إليه من طلب إليه رغب.
(أن يرضى عنه) المراد بطلب الرضا طلب وسيلة له وهي طاعة الله وطاعة الرسول وطاعة ولاة