في الدنيا من لا يسمع نداء الحق فكأنه لا سمع ولا يتكلم به فكأنه لا نطق له ولا يبصر طريقه فكأنه لا بصر له وفي الآخرة من لا يسمع نداء الرحمة ولا يقدر على التكلم بالمعذرة ولا يبصر وجه الجنة فلذلك قال: (يعني لا ينطقون) في الآخرة بالمعذرة لانتفائها فلذلك قال: (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) لاستحالة أن يكون لهم معذرة لا يؤذن لهم التكلم بها وقال بعض المفسرين: معناه لا يرجعون من الضلالة إلى الهدى وتفسيره (عليه السلام) أحسن منه بدليل ما بعده، وإنما خص التفريع بالبكم لأنه يعلم منه حال جاريه بالمقايسة أو أريد بهما الحقيقة (وإياكم وما نهيكم عنه أن تركبوه) أي تقترفوه من ركبت الذنب اقترفته أو تتبعوه من ركبت الأثر تبعته أو تعلوه من ركبت الفرس علوته وقد شبه المنهي عنه بالمركوب في أنه يصل صاحبه إلى مقام البعد من الحق كما يشبه الطاعة به في الإيصال إلى مقام القرب ولما كانت عرصة اللسان وسبعة وهو يحكي عن أحوال المبدء والمعاد والشرايع والأشياء الموجودة والموهومة وعقائد القلوب وأفعال الجوارح كانت خطيئاته غير محصورة وزلاته غير معدودة فلذلك بالغ حفظه مكررا وقال:
(وعليكم بالصمت في كل شيء إلا فيما ينفعكم الله به في أمر آخرتكم) وفي بعض النسخ «من» بدل «في» (ويأجركم عليه) مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوعظ والنصيحة وإرشاد الخلق وغير ذلك فإنه راجح بل قد يكون واجبا، ولما أمر بالتكلم بالنافع إجمالا أشار إلى بعضه تفصيلا بقوله:
(وأكثروا من التهليل) وهو قول: لا إله إلا الله (والتقديس والتسبيح) وهما التطهير والتنزيه عن العيوب والنقائص والثاني تأكيد ويمكن أن يراد بأحدهما إذ اجتمعا تنزيه الصفات وبالاخر تنزيه الذات عن الشريك والتركيب.
(والثناء على الله) قيل: المفهوم من الصحاح والكشاف وغيرهما من الكتب أن الثناء هو الإتيان بما يدل على التعظيم والتمجيد كلاما كان أو غيره إلا أن في المجمل خصه بالكلام الجميل وهو أنسب بهذا المقام.
(والتضرع إليه) في طلب الحاجات والتوفيق للطاعات والقبول لها وحفظ النفس عن المنهيات وعدم الركون إليها وطلب العافية وخير الخاتمة.
(والرغبة فيما عنده) مع الإتيان بما يوجب الوصول إليه لأن الرغبة في الشيء من غير تمسك بأسبابه حماقة كما دل عليه بعض الأخبار.
(من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد) أحد فاعل الفعلين على سبيل التنازع والقدر والتقدير بيان قدر الشيء وكميته وكيفيته، يقال: قدرت الشيء قدرا من باب ضرب وقتل وقدرته