تحققت تحققت المنازعة والمخاصمة في (الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها) في قوله عز وجل: (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) قال الصادق (عليه السلام) «بما صبروا على التقية». وفي قوله: (يدرؤن بالحسنة السيئة). وفي قوله: (لا تستوي الحسنة ولا السيئة) قال (عليه السلام): «الحسنة التقية والسيئة الإذاعة» وفي قوله: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) قال (عليه السلام): «التي هي أحسن التقية» وفي قوله: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) والظاهر أنه لا خلاف في وجوب التقية عند الحاجة إليها وأن تاركها آثم ولكن أثمه لا يوجب دخول النار لما روي عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجلين من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما: ابرئا من أمير المؤمنين (عليه السلام) فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخلى سبيل الذي برئ وقتل الآخر فقال (عليه السلام): أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة» وقد أوضحنا ذلك في محله.
(فإذا ابتليتم بذلك منهم) الظاهر أن جزاء الشرط محذوف أي فاعملوا بالتقية ولا تتركوها بدليل ما قبله وما بعده وأن قوله:
(فإنم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر) من القول والشتم والغلظة ونحوها دليل على الجزاء المذكور وقائم مقامه وأمثال ذلك كثيرة في كلام الفصحاء والبلغاء، ويحتمل أيضا أن يكون جزاء الشرط (ولولا أن الله تعالى يدفعهم عنكم) بتقرير التقية أو يصرف قلوبهم (لسطوا بكم) السطو: القهر والبطش. يقال: سطا عليه وبه وفي كنز اللغة «السطو بعنف گرفتن وشكستن» (وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم) لأن ما يبدون من بحر عداوتهم يلقيه بالتموج وبعبارة أظهر قصدهم إيصال كل فرد من أفراد الإيذاء وافراد الايذاء غير محصورة قطعا وما يبدونه قليل، والبغض ضد الحب كالعداوة والبغضة والبغضاء شدته ثم استأنف كلاما من باب التأكيد مشتملا على سبب المفارقة الروحانية والمصابرة على فعالهم فقال:
(مجالسكم ومجالسهم واحدة) لتحقق الدواعي وهي جلب النفع ودفع الضرر والتشارك في الجسمية والاحتياج في الوجود والبقاء إلى التعاون في أمور الدنيا فلذلك كانت مجالستهم مطلوبة بشروطها وهي الملاينة والمداراة والتقية لئلا يقع ضد ما هو المطلوب منها.
(وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف) لأن ذوات أرواحكم وصفاتها نورانية ومن عليين وذوات أرواحهم وصفاتها ظلمانية ومن سجين ولا يقع الايتلاف بين النور والظلمة ولذلك قال خليل الرحمن: (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) ويحتمل أن يراد بالاختلاف الاختلاف الواقع في عالم الأرواح لأن أرواح المؤمنين كانت مايلة إلى الحق والطاعة وأرواح الكفار