(ما لكم لا ترجون لله وقارا) والسكينة سكون الجوارح وهي تابعة للوقار لأن من شغل قلبه بالله اشتغلت جوارحه بما طلب منها وفرغ عن كل ما يليق بها وهذا أحسن من القول بترادفها.
(وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزع عنه الصالحون قبلكم) الحياء: كيفية نفسانية مانعة من القبيح والتقصير في الحقوق خوفا من اللوم وقد يتخلق به من لم يجبل عليه وهو الحياء المكتسب وإطلاقه على ما هو مبدأ الانفعال من الإتيان بالحقوق على سبيل المجاز كما ذكرناه في شرح أحاديث العقل، والمراد بالصالحين من الأنبياء والأوصياء أو الأعم منهم وبما تنزه المنهيات وترك المأمورات والأخلاق الردية والآداب الذميمة وارتكاب أمور الدنيا التي لا حاجة إليها وبالجملة كل ما يصد عن السير إلى الله تعالى.
(وعليكم بمجاملة أهل الباطل) المجاملة بالجيم: المعاملة بالجميل ولما كان هنا مظنة أن يقولوا: كيف نجاملهم؟ أجاب على سبيل الإستيناف بقوله:
(تحملوا الضيم) أي الظلم (منهم) ولا تقابلوهم بالانتقام فإن الانتقام منهم في دولتهم لقلة ناصركم يوجب زيادة الظلم عليكم، وقال الفاضل الأمين الأسترآبادي: الظاهر قراءتها بالحاء المهملة فإن الظاهر قوله: «تحملوا الضيم» بيان لها وكذا قوله فيما يأتي: «وتصبرون عليهم» بيان لقوله: «فتحاملونهم» ويمكن قراءتها بالجيم كما في بعض النسخ وعليه فقس.
(وإياكم ومماظتهم) حذر عن منازعتهم ومناقشتهم في أمور الدين والدنيا لأنها تميت القلب وتثير العداوة واضطراب القلب بإستماع الشبهات وهي مذمومة مع أهل الحق فكيف مع أهل الباطل ولذلك قال سبحانه: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) إما نصحية من استعد منهم لقبولها فيكفيه أدنى الإشارة وأقل البيان ومن لم يستعد له لم ينفعه السيف والسنان كما ورد في بعض الروايات.
(دينوا فيما بينكم وبينهم) في الأمور المختلفة لأنها محل التقية، والدين بالكسر العادة والعبادة والمواظبة أي عودوا أنفسكم بالتقية أو اعبدوا الله أو أطيعوه بها أو واظبوا عليها فقوله فيما بعد:
(بالتقية) متعلق بدينوا ثم أشار إلى زمان الحاجة إليها بقوله:
(إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام) أي خاصمتموهم في الكلام المتعلق بأصول الدين وفروعه أو الأعم منه ومن المحاورات وأصل المنازعة الجذب والقلع كان أحد المتخاصمين يجذب الآخر ويقلعه ثم أشار إلى جواز المجالسة وما بعدها بل على رجحانها بقوله (فإنه لابد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم) لأجل التقية أو لأن الإنسان مدني بالطبع يحتاج في تحصيل مطالبته وتكميل مآربه إلى بني نوعه ولا يتم ذلك إلا بالمجالسة وإذا