لأهله كسب وإلى بمعنى اللام أو بمعناها مع تضمين معنى الضيم ونحوه والضمير راجع إلى الكظم وفيه تنبيه على أنه من جملة الأعمال الصالحة وقيل الإجترام وفي الجناية القاموس: اجترم عليهم وإليهم جريمة جنى جناية مصداق وذلك كله في كتاب الله أشار بذلك إلى ما دخل على الصالحين من الابتلاء والافتتان والأذى والاستدلال وتكذيب الحق مع صبرهم وكظم غيظهم.
(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) المقصود منه هو الترغيب في الصبر الكامل باعتبار أنه من خصايل أولي العزم دون إلحاق الناقص بالكامل (ولا تستعجل لهم) بالانتقام منهم والدعاء عليهم والإعراض عنهم.
(وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا) الجزاء محذوف وما بعد الفاء قائم مقامه ودال عليه وفيه تسكين لقلبه المقدس على أذى قومه وإن كان ساكنا كما يفعل ذلك المحب بحبيبه (فقد كذب نبي الله) فعليكم الأسوة به.
(فإن سركم أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الأصل) الأمر واحد الأمور وهو الفعل والموصول صفة له (الخلق) أما بمعنى الإيجاد والتقدير واللام في له للعاقبة كما قيل في قوله (عليه السلام) «لدوا للموت وابنوا للخراب» أو للغاية المجازية وإلا فالغاية الحقيقية هي العبادة كما قال عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) والمراد بأصل الخلق الوجود الظلي وهو عالم الأرواح أو الأعم منه والوجود العيني «من الكفر» بيان للموصول وهو شامل لكفر الجحود والمخالفة وتكذيب أهل الحق وإيذائهم ومعاداتهم وبغضهم وجميع قبايحهم المذكورة وغيرها وفي قوله: «الذي سبق في علم الله» إيماء إلى أن علمه تعالى بصدور الكفر منهم اختيارا سبب لخلقهم له لوجوب المطابقة بين العلم والمعلوم.
(ومن الذين سماهم الله في كتابه) في قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار) الظاهر أنه عطف على فيهم وفي لفظة من إشعار بأن أمر الله نشأ من سوء أعمالهم وقبح أفعالهم ولعل المراد بذلك الأمر شدة العقوبة أو سوء الخاتمة أو ختم القلوب أو جعلهم أئمة ضلال باعتبار حبهم للرئاسة وصرف همتهم وتحصيلها وتخليته تعالى بينه وبين ما أرادوا وعدم جبرهم على تركها فكأنه جعلهم أئمة، والفرق بين المعطوف عليه والمعطوف أن الأول أعم من الثاني لصدقه على التابع والمتبوع بخلاف الثاني فإنه صادق على المتبوع فقط (فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه) جزاء لقوله: «فإن سركم أمر الله» والضمائر للأمر وقد عرفت شموله لجميع صفاتهم القبيحة، ودبر كل شيء عقبه يقال تدبر الأمر تدبر أو دبره تدبيرا إذا نظر في عاقبته ورأى فيها ما لم يره في صدره وإنما أمر بتدبر وعقله أي إدراكه ونهى عن الجهل به ابتداء ونسيانه بعد معرفته مبالغة في الإحاطة