والآخرة (وهو) أي الشك وشعبه والزجر عنه (قول الله عز وجل: (فبأي آلاء ربك تتمارى) إذ المماراة مجادلة على مذهب الشك وشعبه).
(والهول من الحق) أي الفزع منه والرعب من قبوله لدخول الباطل في قلبه فيظن الباطل حقا والحق باطلا فيشمئز من قبول الحق ويخاف منه.
(فمن هاله ما بين يديه) من الحق والخير (نكص على عقبيه) أي رجع إلى الباطل والشر، إذ لا واسطة بينهما فإذا هاله أحدهما رجع إلى الآخر.
(من امترى في الدين تردد في الريب) امتراء «درشك افتادن وشك» بردن»، ولعل المراد بالتردد في الريب التحير فيه والقيام عليه لعدم العلم بطريق النجاة منه.
(وسبقه الأولون من المؤمنين) في المسير إلى الله وهم المقربون (وأدركه الآخرون) أي التابعون للأولين وهو واقف متحير كالضال عن الطريق.
وحينئذ (وطئته سنابك الشيطان) واستولى عليه جنوده. والسنابك جمع السنبك وهو طرف مقدم الحافر (ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيما بينهما) فلم تكن له الدنيا خالصة لزوالها مع ما عليه من العقوبات فيها ولم تكن له الآخرة لعدم اتيانه بما ينفعه فيها. قال بعض المحققين: فيه إشارة إلى أن الطالب للدنيا المستسلم لها هالك وأن الطالب للعقبى ونعيمها أيضا هالك وللانسان الموقن شأن وراء ذلك يليق به وهو نبذ الدنيا والعقبى وراء ظهره والترقي إلى ساحة الوصول أمام دهره. روي أن الله تعالى أوحى إلى داود «يا داود، إن أحب الأحباء إلي من عبدني بغير نوال ولكن عبدني ليعطي الربوبية حقها ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار ألم أكن أهلا أن أطاع وأعبد خالصة؟».
(ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين) ليس اليقين أن يقول الإنسان: أيقنت بأن الله تعالى موجود لا شريك له حي قادر إلى آخر ما يليق به ومنزه عن جميع ما لا يليق به، وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وأن علي بن أبي طالب وأولاده الطاهرين خلفاؤه وأنما اليقين كيفية نفسانية تبعث على متابعتهم من جميع الوجوه وتمنع عن مخالفتهم ولذلك قال (عليه السلام):
(ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين) لأن اليقين بالمعنى المذكور لا يكون إلا لمن اصطفاه الله تعالى من عباده وجعله نورا في بلاده يهتدون به في المصير إلى الله ولهم يقين في الجملة يزداد بحسب الازدياد في المتابعة إلى أن يبلغ حد الكمال.
وبعد الفراغ مما ذكر أشار إلى شعب الشبهة وثمراتها بقوله: (والشبهة على أربع شعب: إعجاب بالزينة) أي إعجاب المرء بالزينة الدنيوية أو القلبية من الأمور التي اخترعتها النفس بالرأي