* الشرح:
قوله: (من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة) قيل لما دلت ظاهر الآيات والروايات على نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة واقتضى هذا الحديث أمنهم تعين فيه التأويل صونا لظاهر الشرع عن التناقض فتأوله بعضهم أن ذلك كان قبل نزول الفرائض وأما بعده فالعاصي بالمشيئة.
أقول: هذا التأويل وإن كان مستبعدا من جهة قوله «إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث»; لأن الغرض منه الترغيب في هذه الكلمة الشريفة ولا شبهة في أنهم نشأوا بعد نزول الفرائض، ومن جهة عموم من شهد لكنه قد مر في باب بعد باب أن الإيمان قبل الإسلام ما يؤيده حيث قال الباقر (عليه السلام) في حديث طويل «ثم بعث الله عز وجل محمدا (صلى الله عليه وآله) وهو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا أدخله الله الجنة باقراره وهو إيمان التصديق ولم يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك إلا من أشرك بالرحمن» وأوله بعضهم بحمله على من مات ولم يعص.
أقول: ويؤيده أن لهذا الحكم أعنى ترتب وجوب دخول الجنة على الشهادة بالتوحيد شروط أشار (عليه السلام) إلى بعضها بقوله إلا من كان على هذا الأمر» وبعضها الشهادة على الرسالة وهو غير مذكورة، فيحتمل أن يكون عدم العصيان أيضا من الشروط وأوله البخاري بمن مات وهو ثابت يريد أن من كان آخر كلامه هذه الكلمة الشريفة وجبت له الجنة لأنها مكفرة للذنوب الذي صدرت قبلها. وأقول لا يحتاج الحديث إلى التأويل; لأن المؤمن العاصي إن غفر له ابتداء يلتحق بغير العاصي فيدخل الجنة مثله وإن نفذ فيه الوعيد يدخل النار على ما شاء الله ثم لابد من دخول الجنة فوجوب دخول الجنة على ظاهره إذ لابد للقائل بالشهادتين من دخولها إما ابتداء أو بعد الجزاء وفي قوله (عليه السلام) «من شهد» إشارة إلى أن مجرد القول من غير القصد والاعتقاد لا يكفي في ترتب الجزاء; لأن الشهادة لا تكون إلا من صميم القلب، والظاهر أن قوله مخلصا حال مؤكدة من فاعل شهد; لأن المراد بالإخلاص هنا أن لا يعتقد له شريكا لا أن لا يقصد بذلك ثوابا; لأن المقصود من الحديث هو التحريص بذلك القول لأجل هذا الثواب كما لا يخفى.