من العلم فكتب إليه أن العلم كثير ولكن إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل، قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسيء إلى من يحبه؟ فقال له: نعم نفسك أحب الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها».
* الشرح:
قوله: (فقال لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة) دل على أن تارك الدنيا وطالب الآخرة لا يكره الموت ولا يرضي ببقائه في الدنيا بل يريد فراقها شوقا إلى لقائه عز وجل لو لا الأجل مكتوب عليه كما دل عليه أيضا قوله تعالى: (قل يا أيها الذين هادوا أن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت أن كنتم صادقين).
(فقال أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله) أراد أن المحسن آمن يقينا معزز قطعا وأما المسىء من أهل الإيمان فهو بين خوف ورجاء أن عذب فهو عدل وإن رحم فهو فضل، اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك، وقوله (يرد على مولاه) بتشديد الدال أو تخفيفها والأول أظهر (قال اعرضوا أعمالكم على الكتاب - إلى آخره) يعني إن كنتم بررة عملة بما في الكتاب فحالكم عند الله حسن وأنتم من أهل هذه الآية (إن الأبرار لفي نعيم) وإن كنتم فسقة فجرة فحالكم عند الله قبيح - أنتم من أهل هذه الآية (وإن الفجار لفي جحيم) (قال: رحمة الله قريب من المحسنين) دل قرب الرحمة منهم على أنهم من أهلها قطعا ولا يبعد أن يفهم منه أن تعلق الرحمة بهم أنسب لأن الإنسان وإن كان محسنا فهو يعد في حيز التقصير يدل على ذلك ما روى أنه «لا يدخل الجنة أحد إلا بالتفضل».
(أطرفني بشيء من العلم) الطارف والطريف من المال المستحدث والاسم منه الطرفة وهي ما يستطرف أي يستملح وأطرف فلان إذا جاء بطرفة.
(ولكن أن قدرت على أن لا تسىء إلى من تحبه فافعل) لعل المراد به هو الزجر عن إساءة المحبوب الحقيقي وهو الله عز وجل بأن لا يقابل نعماه بالكفران ولا يبدل طاعته بالعصيان، والتمثيل بالنفس لايضاح ما استبعده السائل وهذه كلمة وجيزة; لأن الوفاء بمضمونها متوقف على علم الأخلاق والشرايع كلها مع الأعمال القلبية والبدنية طرها.
* الأصل:
21 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «اصبروا على طاعة الله وتصبروا عن معصية الله، فإنما الدنيا ساعة فما مضى فليس تجد له سرورا ولا حزنا وما لم يأت فليس تعرفه فاصبر على تلك الساعة،