وبصفة دنية عند غيبته توهموا أن يكون ذلك نفاقا.
(فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلا أن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا) ردعا لهم عن ذلك التوهم; لأن باطنهم موقن متذكر في وقت وغافل في وقت آخر لخطوات الشيطان وترغيبه في الدنيا كما هو شأن الخبيث اللعين حيث أنة إذا لم يكن له تصرف في إيمان المؤمن يتوصل بما يوجب نقص إيمانه وينزله عن كماله والمنافق باطنه غير مؤمن وقلبه غير موقن بل متصف بصفة الغفلة دائما وبينهما بون بعيد، وينبغي أن يعلم أن قلب المؤمن في الحقيقة عرش الرحمن يطوف به قوافل واردات الحق والهاماته ويشرق فيه لوامع أنواره وطوالع أسراره ولذلك يجب تطهيره عن أدناس التعلقات وأرجاس الشهوات.
وقد قيل: له بابان باب شرقي أيمن مفتوح إلى مشرق نور الحق وحظيرة القدس يطلع من ذلك الباب شوارق الألطاف الربوبية والمواعظ اللاهوتية وباب غربي أيسر إلى مغرب الجسد والأعضاء ومنه يظهر آثار تلك الشوارق والمواعظ إلى الأعضاء فتخضع بالأعمال الصالحة تواضعا ويسهل القلب عند ذلك ويتم النعمة ظاهرة وباطنة وكثيرا ما يتصرف فيه الشيطان ويلقى إليه من باب الغربي كذبا وزورا ويوحى إلى زخرف القول غرورا، فيميله إلى الدنيا ويحدث فيه صداء ورينا فإن استيقظ من نداء الغيب ودعوة أهل الحق ونصحه واستغفر زال عنه وإن استمر يسرى ذلك من الباب الشرقي إلى عالم القدس ويمنع الواردات اللاهوتية والأنوار الربوبية فيسود لوح القلب ويصدر من الجوارح أعمال قبيحة ومظلمة تنعكس ظلمتها إليه فينطمس نوره بريح الشهوات وتراكم الظلمات ظلمات بعضها فوق بعض فلا يقبل الحق أبدا.
ثم أشار (صلى الله عليه وآله) إلى أن الحالة الأولى حالة حسنة شريفة والدوام عليها يوجب التشبه بالملائكة والوصول إلى مقامات عالية وإلى أن الحالة الثانية والتعرض للذنب والاستغفار بعده أيضا لا تخلوا من حكة الهية ومصلحة ربانية بقوله: (والله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء) هذا الخطاب حق وصدق; لأن المانع من ذلك إنما هو الكدورات الجسمية والتعلقات البشرية والأوزار النفسانية والوساوس الشيطانية والميل إلى الزهرات الدنيوية واللذات الفانية، فإذا زالت عن العبد تلك الموانع دائما يصير نورا صرفا وروحا محضا ويتصف بصفات الملائكة ويلتحق بالروحانيين ويصافحهم ويكون معهم ويمشى على الماء مثلهم، وإن شئت توضيح ذلك فنقول: إن للروح الإنساني منازل في السير إلى الله أولها المحسوسات وثانيها المتخيلات وثالثها الموهومات ورابعها المعقولات وهو في هذا المنزل يمتاز عن سائر الحيوانات ويرى فيه ما هو خارج عن عالم الحس والخيال والوهم ويعلم روح الأشياء