لم يعرف ولم يجحد يكفر؟! ليس بكافر إذا لم يجحد) الفرق بين الأقوال الثلاثة أنه ذهب صاحب البريد إلى أن غير العارف كافر سواء قامت عليه الحجة أم لم تقم، وسواء جحد أم لم يجحد، وعلى هذا لا واسطة بين المؤمن والكافر وذهب أبو الخطاب إلى أنه كافر أن قامت عليه الحجة، سواء جحد أو لم يجحد وعلى هذا بينهما واسطة وهي غير العارف قبل قيام الحجة ولكن يلزم أن لا يكون قبله مع الانكار أيضا كافرا وليس كذلك. وذهب محمد بن مسلم إلى أنه كافر إذا جحد وبدون الجحد ليس بكافر، وعلى هذا بينهما واسطة وهي من لم يعرف ولم يجحد ويسمى مستضعفا وضالا، والمراد بالضال في هذا الباب هو هذا المعنى وان كان يطلق كثيرا ما على المعنى الأعم منه وهو من لم يتمسك بالحق وخرج عن سبيله فإنه يصدق على جميع أرباب المذاهب الباطلة، والظاهر وأن مرادهم بالكافر هنا من يجري عليه أحكام الكفر في الدنيا مثل النجاسة وعدم جواز المباشرة والمناكحة وغيرها كما هو مذهب بعض العلماء والا فلا خلاف في استحقاق العقوبة وخلود بعضهم في النار.
(قال فلما حججت دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته بذلك فقال: إنك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة. الجمرة الوسطى بمنى) دل على أنه ينبغي للحاكم أن يترك الحكومة والتكلم فيها حتى يحضر الخصوم جميعا ومن ثم قال بعض الأكابر إذا جاءك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له فلعله يأتيك خصمه وقد فقئت عيناه.
(ثم قال لنا: ما تقولون في خدمكم ونسائكم وأهليكم - إلى آخره) لما أظهروا عنده (عليه السلام) أقوالهم المذكورة استفهم (عليه السلام) ثلاث مرات عمن أسلم وأقر بالشهادتين وأتى بالصلاة والصوم والحج ونحوها ولم يعرف هذا الامر والإمام الحق فأجاب صاحب البريد في كل مرة ومراده أنه كافر ينبغي أن يجري عليه أحكام الكفر من النجاسة والقتل وحرمة المناكحة وغيرها فقال (عليه السلام) - توبيخا له وردا لقوله -:
(سبحان الله هذا قول الخوارج) القائلين بأن من فعل كبيرة أو صغيرة وأصر عليها كافر خارج عن الاسلام مستحق للقتل ولذلك حكموا بكفر أمير المؤمنين (عليه السلام) للتحكيم لزعمهم أن التحكيم معصية صدرت منه عليه السلام وقد أخطاؤا، أما أولا فلأن التحكيم وقع بغير رضاه (عليه السلام) بسبب غلبة الرجال والعساكر كما هو المسطور في الكتب المفصلة المعتبرة، وأما ثانيا فلأن تعيين الحاكم وتفويض الحكم إلى أبي موسى وقع ايضا بدون رضاه (عليه السلام) كما هو المسطور فيها أيضا.
وأما ثالثا فلأن المقصود في التحكيم هو الرجوع إلى حكم الله في كتابه وتعيين الأحق بالخلافة منه ولا ريب في أنه ليس بمعصية واغترار الحاكم من صاحبه وحكمه بخلاف ما في كتاب الله