حاشية رد المحتار - ابن عابدين - ج ٦ - الصفحة ٣١٤
المستأجر إن لم يؤد إلى استيلائه على الوقف، وتصرفه فيه تصرف الملك كما هو مشاهد في زماننا، ويصير يستأجره بما قل وهان ويدعي أن الزيادة عليه ظلم وبهتان. ومنشأ ذلك من النظار أعمى الله أنظارهم طمعا في الرشوة التي يسمونها بالخدمة، على أن ما في القنية لو قوي بما ذكره الخصاف كما يأتي وفرض أن ذلك صار صالحا لمعارضة المتون والشروح والفتاوى لا يفتى به، لما مر أن يفتى بكل ما هو أنفع للوقف مما اختلف العلماء فيه وبنوا عليه تصحيح القول بفسخ الإجارة لزيادة أجر المثل في المدة كما مر، وكل ذلك صار الامر فيه بالعكس في زماننا، حتى إن القضاة حيث لم يجدوا حيلة في المذهب على الوقف توسلوا إليها بمذهب الغير، فآل الامر إلى الاستيلاء على الأوقاف واندراس المساجد والمدارس والعلماء وافتقار المستحقين وذراري الواقفين. وإذا تكلم أحد بين الناس بذلك يعدون كلامه منكرا من القول، وهذه بلية قديمة، فقد ذكر العلامة قنلي زاده ما ملخصه: أن مسألة البناء والغرس على أرض الوقف كثيرة الوقوع في البلدان خصوصا في دمشق، فإن بساتينها كثيرة وأكثرها أوقاف غرسها المستأجرون وجعلوها أملاكا، وأكثر إجاراتها بأقل من أجر المثل، إما ابتداء، وإما بزيادة الرغبات، وكذلك حوانيت البلدان، فإذا طلب المتولي أو القاضي رفع إجاراتها إلى أجر المثل يتظلم المستأجرون ويزعمون أنه ظلم وهم ظالمون، كما قال الشاعر:
تشكو المحب ويشكو وهي ظالمة * كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان (1) وبعض الصدور والأكابر يعاونونهم ويزعمون أن هذا يحرك فتنة على الناس، وأن الصواب إبقاء الأمور على ما هي عليه، وأن شر الأمور محدثاتها، ولا يعلمون أن الشر في إغضاء العين عن الشرع، وأن إحياء السنة عند فساد الأمة من أفضل الجهاد، وأجزل القرب، فيجب على كل قاض عادل عالم وعلى كل قيم أمين غير ظالم أن ينظر في الأوقاف، فإن كان بحيث إذا رفع البناء والغرس تستأجر بأكثر أن يفسخ الإجارة ويرفع باءه وغرسه أو يقبلها بهذه الأجرة، وقلما يضر الرفع بالأرض، فإن الغالب أن فيه نفعا وغبطة للوقف، إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى، وهذا علم في ورق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مطلب في الأرض المحتكرة ومعنى الإستحكار قوله: (المحتكرة) قال في الخيرية: الإستحكار عقد إجارة يقصد بها استبقاء الأرض مقررة للبناء والغرس أو لأحدهما. قوله: (وهي منقولة الخ) الضمير لمسألة القنية، والمقصود تقويتها فيكون مخصصا لكلام المتون، ووجهه إمكان رعاية الجانبين من غير ضرر وعدم الفائدة في القلع، إذ لو قلعت لا تؤجر بأكثر منه، وعليه فلو مات المستأجر فلورثته الاستبقاء، ولو حصل ضرر ما بأن كان هو أو وارثه مفلسا أو سئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر لا يجبر الموقوف عليهم. تأمل. رملي ملخصا. وقد أفتى بخلافه في فتاواه قبيل باب ضمان الأجير في خصوص الأرض المحتكرة فقال: للقيم أن يطالب برفع البناء وتسليم الأرض فارغة كما هو مستفاد من إطلاقاتهم. اه‍. ولا يخفى أن الضرر الآن متحقق. وقد صرح في الإسعاف: لو تبين أن المستأجر يخاف

(1) قوله: (المرنة أسن صوت القوس *) والمرنان مثله صحاح ا ه‍ منه.
* - قوله: (اسم صوت القوس) الذي في الصحاح: والمرنة القوس الخ ا ه‍.
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الشهادات 3
2 باب القبول وعدمه 15
3 باب الاختلاف في الشهادة 37
4 باب الشهادة على الشهادة 44
5 باب الرجوع عن الشهادة 50
6 كتاب الوكالة 56
7 باب الوكالة بالبيع والشراء 63
8 باب الوكالة بالخصومة والقبض 78
9 باب عزل الوكيل 86
10 كتاب الدعوى 92
11 باب التحالف 111
12 باب دعوى الرجلين 123
13 باب دعوى النسب 135
14 كتاب الاقرار 144
15 باب الاستثناء وما معناه 162
16 باب إقرار المريض 167
17 فصل في مسائل شتى 179
18 كتاب الصلح 188
19 كتاب المضاربة 208
20 باب المضارب يضارب 215
21 كتاب الايداع 227
22 كتاب العارية 243
23 كتاب الهبة 255
24 باب الرجوع في الهبة 268
25 كتاب الإجارة 283
26 باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها أي في الإجارة 309
27 باب الإجارة الفاسدة 328
28 باب ضمان الأجير 348
29 باب فسخ الإجارة 362
30 مسائل شتى 375
31 كتاب المكاتب 386
32 باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله 391
33 باب كتاب العبد المشترك 400
34 باب موت المكاتب وعجزه وموت المولى 402
35 كتاب الولاء 410
36 كتاب الاكراه 420
37 كتاب الحجر 436
38 كتاب المأذون 450
39 كتاب الغصب 475
40 كتاب الغصب 475
41 كتاب الشفعة 518
42 باب طلب الشفعة 526
43 باب ما تثبت هي فيه أو لا تثبت 540
44 باب ما يبطلها 544
45 كتاب القسمة 559
46 كتاب المزارعة 582
47 كتاب الذبائح 604
48 كتاب الأضحية 624
49 كتاب الحظر والإباحة 651
50 باب الاستبراء وغيره 691
51 كتاب إحياء الموات 754