المستأجر إن لم يؤد إلى استيلائه على الوقف، وتصرفه فيه تصرف الملك كما هو مشاهد في زماننا، ويصير يستأجره بما قل وهان ويدعي أن الزيادة عليه ظلم وبهتان. ومنشأ ذلك من النظار أعمى الله أنظارهم طمعا في الرشوة التي يسمونها بالخدمة، على أن ما في القنية لو قوي بما ذكره الخصاف كما يأتي وفرض أن ذلك صار صالحا لمعارضة المتون والشروح والفتاوى لا يفتى به، لما مر أن يفتى بكل ما هو أنفع للوقف مما اختلف العلماء فيه وبنوا عليه تصحيح القول بفسخ الإجارة لزيادة أجر المثل في المدة كما مر، وكل ذلك صار الامر فيه بالعكس في زماننا، حتى إن القضاة حيث لم يجدوا حيلة في المذهب على الوقف توسلوا إليها بمذهب الغير، فآل الامر إلى الاستيلاء على الأوقاف واندراس المساجد والمدارس والعلماء وافتقار المستحقين وذراري الواقفين. وإذا تكلم أحد بين الناس بذلك يعدون كلامه منكرا من القول، وهذه بلية قديمة، فقد ذكر العلامة قنلي زاده ما ملخصه: أن مسألة البناء والغرس على أرض الوقف كثيرة الوقوع في البلدان خصوصا في دمشق، فإن بساتينها كثيرة وأكثرها أوقاف غرسها المستأجرون وجعلوها أملاكا، وأكثر إجاراتها بأقل من أجر المثل، إما ابتداء، وإما بزيادة الرغبات، وكذلك حوانيت البلدان، فإذا طلب المتولي أو القاضي رفع إجاراتها إلى أجر المثل يتظلم المستأجرون ويزعمون أنه ظلم وهم ظالمون، كما قال الشاعر:
تشكو المحب ويشكو وهي ظالمة * كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان (1) وبعض الصدور والأكابر يعاونونهم ويزعمون أن هذا يحرك فتنة على الناس، وأن الصواب إبقاء الأمور على ما هي عليه، وأن شر الأمور محدثاتها، ولا يعلمون أن الشر في إغضاء العين عن الشرع، وأن إحياء السنة عند فساد الأمة من أفضل الجهاد، وأجزل القرب، فيجب على كل قاض عادل عالم وعلى كل قيم أمين غير ظالم أن ينظر في الأوقاف، فإن كان بحيث إذا رفع البناء والغرس تستأجر بأكثر أن يفسخ الإجارة ويرفع باءه وغرسه أو يقبلها بهذه الأجرة، وقلما يضر الرفع بالأرض، فإن الغالب أن فيه نفعا وغبطة للوقف، إلى آخر ما قال رحمه الله تعالى، وهذا علم في ورق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
مطلب في الأرض المحتكرة ومعنى الإستحكار قوله: (المحتكرة) قال في الخيرية: الإستحكار عقد إجارة يقصد بها استبقاء الأرض مقررة للبناء والغرس أو لأحدهما. قوله: (وهي منقولة الخ) الضمير لمسألة القنية، والمقصود تقويتها فيكون مخصصا لكلام المتون، ووجهه إمكان رعاية الجانبين من غير ضرر وعدم الفائدة في القلع، إذ لو قلعت لا تؤجر بأكثر منه، وعليه فلو مات المستأجر فلورثته الاستبقاء، ولو حصل ضرر ما بأن كان هو أو وارثه مفلسا أو سئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر لا يجبر الموقوف عليهم. تأمل. رملي ملخصا. وقد أفتى بخلافه في فتاواه قبيل باب ضمان الأجير في خصوص الأرض المحتكرة فقال: للقيم أن يطالب برفع البناء وتسليم الأرض فارغة كما هو مستفاد من إطلاقاتهم. اه. ولا يخفى أن الضرر الآن متحقق. وقد صرح في الإسعاف: لو تبين أن المستأجر يخاف