جعل لكم الأرض بساطا وكذا من حلف لا يمس وتدا فمس جبلا لا يحنث وان سمى الله عز وجل الجبل وتدا بقوله تعالى والجبال أوتادا فثبت ان ما قاله مالك غير صحيح والله أعلم (فصل) أما الحلف على الدخول اسم للانفصال من العورة إلى الحصن فان حلف لا يدخل هذه الدار وهو فيها فمكث بعد يمينه لا يحنث استحسانا والقياس ان يحنث ذكر القياس والاستحسان في الأصل وجه القياس ان المداومة على الفعل حكم انشائه كما في الركوب واللبس بان حلف لا يركب ولا يلبس وهو راكب ولابس فمكث ساعة انه يحنث لما قلنا كذا هذا وجه الاستحسان الفرق بين الفصلين وهو ان الدوام على الفعل لا يتصور حقيقة لان الدوام هو البقاء والفعل المحدث عرض والعرض مستحيل البقاء فيستحيل دوامه وإنما يراد بالدوام تجدد أمثاله وهذا يوجد في الركوب واللبس ولا يوجد في الدخول لأنه اسم للانتقال من العورة إلى الحصن والمكث قرار فيستحيل أن يكون انتقالا لا يحققه ان الانتقال حركة والمكث سكون وهما ضدان والدليل على التفرقة بين الفصلين انه يقال ركبت أمس واليوم ولبست أمس واليوم من غير ركوب ولبس مبتدإ ولا يقال دخلت أمس واليوم الا لدخول مبتدأ وكذا من دخل دارا يوم الخميس ومكث فيها إلى يوم الجمعة فقال والله ما دخلت هذه الدار يوم الجمعة بر في يمينه لذلك افترقا ولو حلف لا يركب أو لا يلبس وهو راكب أو لابس فنزل من ساعته أو نزع من ساعته لا يحنث عندنا خلافا لزفر وجه قوله إن شرط حنثه الركوب واللبس وقد وجد منه بعد يمينه وان قل (ولنا) ان ما لا يقدر الحالف على الامتناع من يمينه فهو مستثنى منه دلالة لان قصد الحالف من الحلف البر والبر لا يحصل الا باستثناء ذلك القدر وسواء دخل تلك الدار ماشيا أو راكبا لان اسم الدخول ينطلق على الكل ألا ترى انه يقال دخلت الدار ماشيا ودخلتها راكبا ولو أمر غيره فحمله فأدخله حنث لان الدخول فعل لا حقوق له فكان فعل المأمور مضافا إليه كالذبح والضرب ونحو ذلك على ما نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه وان احتمله غيره فأدخله بغير أمره ولم يحنث لان هذا يسمى ادخالا لا دخولا لما ذكرنا ان الدخول انتقال والادخال نقل ولم يوجد ما يوجب الإضافة إليه وهو الامر وسواء كان راضيا بنقله أو ساخطا لان الرضا لا يجعل الفعل مضافا إليه فلم يوجد منه الشرط وهو الدخول وسواء كان قادرا على الامتناع أو لم يكن قادرا عليه عند عامة مشايخنا وقال بعضهم إن كان يقدر على الامتناع فلم يمتنع يحنث لأنه لما لم يمتنع مع القدرة كان الدخول مضافا إليه والصحيح قول للعامة لأنه لم يوجد منه الدخول حقيقة وامتناعه مع القدرة ان جاز ان يستدل به على رضاه بالدخول لكن الرضا يكون بالامر وبدون الامر لا يكفي لإضافة الفعل إليه فانعدم الدخول حقيقة وتقديرا وسواء دخلها من بابه أو من غيره لأنه جعل شرط الحنث مطلق الدخول وقد وجد ولو نزل على سطحها حنث لان سطح الدار من الدار إذ الدار اسم لما أحاط به الدائرة والدائرة أحاطت بالسطح وكذا لو أقام على حائط من حيطانها لان الحائط مما تدور عليه الدائرة فكان كسطحها ولو قام على ظلة لها شارعة أو كنيف شارع فإن كان مفتح ذلك إلى الدار يحنث والا فلا لأنه إذا كان مفتحه إلى الدار يكون منسوبا إلى الدار فيكون من جملة الدار والا فلا وان قام على أسكفة الباب فإن كان الباب إذا أغلق كانت الاسكفة خارجه عن الباب لم يحنث لأنه خارج وإن كان أغلق الباب كانت الاسكفة داخلة الباب حنث لأنه داخل لان الباب يغلق على ما في داخل الدار لا على ما في الخارج وان أدخل الحالف احدى رجليه ولم يدخل الأخرى لم يحنث لأنه لم ينتقل كله بل بعضه وقد روى عن بريدة رضي الله عنه أنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال لي اني لاعلم آية لم تنزل على نبي بعد سليمان بن داود عليه الصلاة السلام الا على فقلت وما هي يا رسول الله فقال لا أخرج من المسجد حتى أعلمكها فلما أخرج احدى رجليه فقلت في نفسي لعله قد نسي فقال لي بم نفتتح القراءة فقلت ببسم الله الرحمن الرحيم فقال صلى الله عليه وسلم هي هي فلو كان هذا القدر خروجا لكان تأخير التعليم إليه خلفا في الوعد ولا يتوهم ذلك بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودل الحديث على أن التسمية آية من القران لان النبي صلى الله عليه وسلم سماها آية ومن
(٣٦)