اشترى سيفا ونوى بشرائه أن يقتل به كان الشراء حلالا وكانت النية بالقتل غير جائزة ولم يبطل بها البيع، قال وكذلك لو باع البائع سيفا من رجل يراه أنه يقتل به رجلا كان هكذا وكذلك لو اشترى فرسا وهو يراها عقوقا فقال هو والله ما اشتريتها بمائة إلا لعقاقها وما تسوى لولا العقاق خمسين وقال البائع ما أردت منها العقاق لم يفسد البيع بهذه النية إذا انعقدت صفقة البيع على الفرس ولم يشترط فيها العقاق ولو اشترط فيها العقاق فسد البيع لأنه بيع ما لا يدري أيكون أو لا يكون ألا ترى لو أن رجلا شريفا نكح دنية أعجمية أو شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد منهما أن يثبتا على النكاح أكثر من ليلة لم يحرم النكاح بهذه النية لأن ظاهر عقدته كانت صحيحة إن شاء الزوج حبسها وإن شاء طلقها فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الاسلام على أن العقود إنما يثبت بالظاهر عقدها ولا يفسدها نية العاقدين كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة أولى أن لا تفسد يتوهم غير عاقدها على عاقدها ثم سيما إذا كان توهما ضعيفا والله تعالى أعلم.
باب إبطال الاستحسان (قال الشافعي) وكل ما وصفت مع ما أنا ذاكر وساكت عنه أكتفاء بما ذكرت منه عما لم أذكر من حكم الله ثم حكم رسوله صلى الله عليه وسلم ثم حكم المسلمين دليل على أن لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكما أو مفتيا أن يحكم ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم وذلك الكتاب ثم السنة أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه أو قياس على بعض هذا لا يجوز له أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان إذ لم يكن الاستحسان واجبا ولا في واحد من هذه المعاني فإن قال قائل فما يدل على أن لا يجوز أن يستحسن إذا لم يدخل الاستحسان في هذه المعاني مع ما ذكرت في كتابك هذا؟ قيل قال الله عز وجل (أيحسب الانسان أن يترك سدى) فلم يختلف أهل العمل بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا ينهي ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى وقد أعلمه الله أنه لم يتركه سدى ورأي أن قال أقول بما شئت وادعى ما نزل القرآن بخلافه في هذا وفي السنن فخالف منهاج النبيين وعوام حكم جماعة من روى عنه من العالمين فإن قال فأين ما ذكرت من القرآن ومنهاج النبيين صلى الله عليه وسلم أجمعين؟ قيل قال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام (اتبع ما أوحي إليك من ربك) وقال (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) الآية ثم جاءه قوم فسألوه عن أصحاب الكهف وغيرهم فقال أعلمكم غدا يعنى أسأل جبريل ثم أعلمكم فأنزل الله عز وجل (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) الآية وجاءته امرأة أوس بن الصامت تشكو إليه أوسا فلم يجبها حتى أنزل الله عز وجل (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) وجاءه العجلاني يقذف امرأته قال لم ينزل فيكما وانتظر الوحي فلما نزل دعاهما فلاعن بينهما كما أمره الله عز وجل وقال لنبيه (أن أحكم بينهم بما أنزل الله) وقال عز وجل (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) الآية وليس يؤمر أحد أن يحكم بحق إلا وقد علم الحق ولا يكون الحق معلوما إلا عن الله نصا أو دلالة من الله فقد جعل الله الحق في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليس تنزل بأحد نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصا أو جملة فإن قال وما النص والجملة؟ قيل النص ما حرم الله وأحل نصا حرم الأمهات والجدات والعمات والخالات ومن ذكر معهن وأباح من سواهن وحرم الميتة والدم