هل يكون مجتهدا على غير طلب عين وطلب العين لا يكون إلا باتباع الدلائل عليها وذلك القياس لأن محالا أن يقال اجتهد في طلب شئ من لم يطلبه باحتياله والاستدلال عليه لا يكون طالبا لشئ من سنح على وهمه أو خطر بباله منه (قال الشافعي) وإنه ليلزم من ترك القياس أكثر مما ذكرت وفي بعضه ما قام عليه الحجة وأسأل الله تعالى لي ولجميع خلقه التوفيق وليس للحاكم أن يقبل ولا للوالي أن يدع أحدا ولا ينبغي للمفتي أن يفتي أحدا إلا متى يجمع أن يكون عالما علم الكتاب وعلم ناسخه ومنسوخه وخاصة وعامه وأدبه وعالما بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل أهل العلم قديما وحديثا وعالما بلسان العرب عاقلا يميز بين المشتبه ويعقل القياس فإن عدم واحدا من هذه الخصال لم يحل له أن يقول قياسا وكذلك لو كان عالما بالأصول غير عاقل للقياس الذي هو الفرع لم يجز أن يقال لرجل قس وهو لا يعقل القياس وإن كان عاقلا للقياس وهو مضيع لعلم الأصول أو شئ منها لم يجز أن يقال له قس على ما لا تعلم كما لا يجوز أن يقال قس لأعمى وصفت له اجعل كذا عن يمينك وكذا عن يسارك فإذا بلغت كذا فانتقل متيامنا وهو لا يبصر ما قيل له يجعله يمينا ويسارا أو يقال سر بلادا ولم يسرها قط ولم يأتها قط وليس له فيها علم يعرفه ولا يثبت له فيها قصد سمت يضبطه لأنه يسير فيها عن غير مثال قويم وكما لا يجوز لعالم بسوق سلعة منذ زمان ثم خفيت عنه سنة أن يقال له قوم عبدا من صفته كذا لأن السوق تختلف ولا لرجل أبصر بعض صنف من التجارات وجهل غير صنفه والغير الذي جهل لا دلالة عليه ببعض علم الذي علم قوم كذا كما لا يقال لبناء انظر قيمة الخياطة ولا لخياط انظر قيمة البناء فإن قال قائل فقد حكم وأفتى من لم يجمع ما وصفت قيل فقد رأيت أحكامهم وفتياهم فرأيت كثيرا منها متضادا متباينا ورأيت كل واحد من الفريقين يخطئ صاحبه في حكمه وفتياه والله تعالى المستعان فإن قال قائل أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون كيف الحق فيه عند الله؟ قيل لا يجوز فيه عندنا والله تعالى أعلم أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحدا لأن علم الله عز وجل وأحكامه واحد لاستواء السرائر والعلانية عنده وأن علمه بكل واحد جل ثناؤه سواء فإن قيل من له أن يجتهد فيقيس على كتاب أو سنة هل يختلفون ويسعهم الاختلاف؟ أو يقال لهم إن اختلفوا مصيبون كلهم أو مخطئون أو لبعضهم مخطئ وبعضهم مصيب؟ قيل لا يجوز على واحد منهم إن اختلفوا إن كان ممن له الاجتهاد وذهب مذهبا محتملا أن يقال له أخطأ مطلقا ولكن يقال لكل واحد منهم قد أطاع فيما كلف وأصاب فيه ولم يكلف علم الغيب الذي لم يطلع عليه أحد فإن قال قائل فمثل لي من هذا شيئا قيل لأمثال أدل عليه من الغيب عن المسجد الحرام واستقباله فإذا اجتهد رجلان (3) بالطريقين عالمان بالنجوم والرياح والشمس والقمر فرأى أحدهما القبلة متيامنا منه ورأي أحدهما القبلة منحرفة عن حيث رأى صاحبه كان على كل واحد منهما أن يصلي حيث يرى ولا يتبع صاحبه إذا أداه اجتهاده إلى غير ما أدى صاحبه اجتهاده إليه ولم يكلف واحد منهما صواب عين البيت لأنه لا يراه وقد أدى ما كلف من التوجه إليه بالدلائل عليه فإن قيل فيلزم أحدهما اسم الخطأ قيل أما فيما كلف فلا وأما خطأ عين البيت فنعم لأن البيت لا يكون في جهتين فإن قيل فيكون مطيعا بالخطأ قيل هذا مثل جاهد يكون مطيعا بالصواب لما كلف من الاجتهاد وغير آثم بالخطأ إذ لم يكلف صواب المغيب العين عنه فإذا لم يكلف صوابه لم يكن عليه خطأ ما لم يجعل عليه صواب عينه فإن قيل أفتجد سنة تدل على ما وصفت؟ قيل نعم. أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم
(٣١٧)