ولحم الخنزير والفواحش ما ظهر منها وما بطن وأمر بالوضوء فقال (اغسلوا وجوهكم وأيديكم) الآية فكان مكتفي بالتنزيل في هذا عن الاستدلال فيما نزل فيه مع أشباه له فإن قيل فما الجملة؟ قيل ما فرض الله من صلاة وزكاة وحج فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها وكيف الزكاة وفي أي المال هي وفي أي وقت هي وكم قدرها وبين كيف الحج والعمل فيه وما يدخل فيه وما يخرج به منه (قال الشافعي) فإن قيل فهل يقال لهذا كما قيل للأول قبل عن الله؟
قيل نعم فإن قيل فمن أين قيل؟ قبل عن الله لكلامه جملة وقبل تفسيره عن الله بأن الله فرض طاعة نبيه فقال عز وجل (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال (من يطع الرسول فقد أطاع الله) مع ما فرض من طاعة رسوله فإن قيل فهذا مقبول عن الله كما وصفت فهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي؟ قيل الله أعلم * أخبرنا مسلم بن خالد عن طاوس (قال الربيع) هو عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن عنده كتابا من العقول نزل به الوحي (قال الشافعي) وما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط إلا بوحي فمن الوحي ما يتلى ومنه ما يكون وحيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستن به * أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ولا شيئا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه وإن الروح الأمين قد ألقى في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فأجملوا في الطلب) (قال الشافعي) وقد قيل ما لم يتل قرآنا إنما ألقاه جبريل في روعه بأمر الله فكان وحيا إليه وقيل جعل الله إليه لما شهد له به من أنه يهدي إلى صراط مستقيم أن يسن وأيهما كان فقد ألزمهما الله تعالى خلقه ولم يجعل لهم الخيرة من أمرهم فيما سن لهم وفرض عليهم اتباع سنته (قال الشافعي) فإن قال قائل فما الحجة في قبول ما اجتمع الناس عليه؟ قيل لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين لم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا لزوم قول جماعتهم وكان معقولا أن جماعتهم لا تجهل كلها حكما لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن الجهل لا يكون إلا في خاص وأما ما اجتمعوا عليه فلا يكون فيه الجهل فمن قبل قوله جماعتهم فبدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قولهم (قال الشافعي) رحمة الله وإن قال قائل أرأيت ما لم يمض فيه كتاب ولا سنة ولا يوجد الناس اجتمعوا عليه فأمرت بأن يؤخذ قياسا على كتاب أو سنة أيقال لهذا قبل عن الله؟ قيل نعم قبلت جملته عن الله فإن قيل ما جملته؟ قيل الاجتهاد فيه على الكتاب والسنة فإن قيل أفيوجد في الكتاب دليل عن ما وصفت؟ قيل نعم نسخ الله قبلة بيت المقدس وفرض على الناس التوجه إلى البيت فكان على من رأى البيت أن يتوجه إليه بالعيان وفرض الله على من غاب عنه البيت أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام لأن البيت في المسجد الحرام فكان المحيط بأنه أصاب البيت بالمعاينة والمتوجه قصد البيت ممن غاب عنه قابلين عن الله معا التوجه إليه وأحدهما على الإحاطة والآخر متوجه بدلالة فهو على إحاطة من صواب جملة ما كلف وعلى غير إحاطة كإحاطة الذي يرى البيت من صواب البيت ولم يكلف الإحاطة (قال الشافعي) فإن قيل فبم يتوجه إلى البيت؟ قيل قال الله تعالى (هو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) وقال (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) وكانت العلامات جبالا يعرفون مواضعها من الأرض وشمسا وقمرا ونجما مما يعرفون من الفلك ورياحا يعرفون مهابها على الهواء تدل على قصد البيت الحرام فجعل عليهم طلب الدلائل على شطر المسجد الحرام فقال (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وكان معقولا