عن الله عز وجل أنه إنما يأمرهم بتولية وجوههم شطره بطلب الدلائل عليه لا بما استحسنوا ولا بما سنح في قلوبهم ولا خطر على أوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهم لأنه قضى أن لا يتركهم سدى وكان معقولا عنه أنه إذا أمرهم أن يتوجهوا شطره وغيب عنهم عينه أن لم يجعل لهم أن يتوجهوا حيث شاءوا لا قاصدين له بطلب الدلالة عليه (قال الشافعي) وقال الله عز وجل (واشهدوا ذوي عدل منكم) قال (ممن ترضون من الشهداء) فكان على الحكام أن لا يقبلوا إلا عدلا في الظاهر وكانت صفات العدل عندهم معروفة وقد وصفتها في غير هذا الموضع وقد يكون في الظاهر عدلا وسريرته غير عدل ولكن الله لم يكلفهم ما لم يجعل لهم السبيل إلى عمله ولم يجعل لهم إذا كان يمكن إلا أن يردوا من ظهر منه خلاف العدل عندهم وقد يمكن أن يكون الذي ظهر منه خلاف العدل خيرا عند الله عز وجل من الذي ظهر منه العدل ولكن كلفوا أن يجتهدوا على ما يعلمون من الظاهر الذي لم يؤتوا أكثر منه (قال الشافعي) وقال الله جل ثناؤه (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) فكان معقولا عن الله في الصيد النعامة وبقر الوحش وحماره والثيتل والظبي الصغير الكبير والأرنب واليربوع وغيره ومعقولا أن النعم الإبل والبقر والغنم وفي هذا ما يصغر عن الغنم وعن الإبل وعن البقر فلم يكن المثل فيه في المعقول وفيما حكم به من حكم من صدر هذه الأمة إلا أن يحكموا في الصيد بأولى الأشياء شبها منه من النعم ولم يجعل لهم إذ كان المثل يقرب قرب الغزال من العنز والضبع من الكبش أن يبطلوا اليربوع مع بعده من صغير الغنم وكان عليهم أن يجتهدوا كما أمكنهم الاجتهاد وكل أمر الله جل ذكره وأشبه لهذا تدل على إباحة القياس وحظر أن يعمل بخلافه من الاستحسان لأن من طلب أمر الله بالدلالة عليه فإنما طلبه بالسبيل التي فرضت عليه ومن قال أستحسن لا عن أمر الله ولا عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يقبل عن الله ولا عن رسوله ما قال ولم يطلب ما قال بحكم الله ولا بحكم رسوله وكان الخطأ في قول من قال هذا بينا بأنه قد قال أقول وأعمل بما لم أومر به ولم أنه عنه وبلا مثال على ما أمرت به ونهيت عنه وقد قضى الله بخلاف ما قال فلم يترك أحدا إلا متعبدا (قال الشافعي) في قول الله عز وجل (أيحسب الانسان أن يترك سدى) إن من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه فقد أدى ما كله وحكم وأفتى من حيث أمر فكان في النص مؤديا ما أمر به نصا وفي القياس مؤديا ما أمر به اجتهادا وكان مطيعا لله في الأمرين ثم لرسوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الله ثم رسوله ثم الاجتهاد فيروى أنه قال لمعاذ (بم تقضي؟) قال بكتاب الله قال (فإن لم يكن في كتاب الله) قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فإن لم يكن) قال أجتهد قال (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم (قال الشافعي) ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لازم ولا قياس عليه كان محجوجا بأن معنى قوله أفعل ما هويت وإن لم أومر به مخالف معنى الكتاب والسنة فكان محجوجا على لسانه ومعنى ما لم أعلم فيه مخالفا فإن قيل ما هو؟ قيل لا أعلم أحدا من أهل العلم رخص لأحد من أهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالما بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والاجماع والعقل لتفصيل المشتبه فإذا زعموا هذا قيل لهم ولم لم يجز لأهل العقول التي تفوق كثيرا من عقول أهل العلم بالقرآن والسنة والفتيا أن يقولوا فيما قد نزل مما يعلمونه معا أن ليس فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع
(٣١٥)