باب السرقة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة والسرقة تساوي عشرة دراهم فصاعدا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول أقطعه ويقول إن لم أقطعه جعلته عليه دينا ولا قطع في الدين وكان ابن أبي ليلى يقول لا أقطعه حتى يقر مرتين وبهذا يأخذ ثم رجع إلى قول أبي حنيفة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا أقر الرجل بالسرقة مرة واحدة وثبت على الاقرار وكانت مما تقطع فيه اليد قطع وسواء إقراره مرة أو أكثر فإن قال قائل كما لا أقطعه إلا بشاهدين فهو إذا شهد عليه شاهدان قطعه ولم يلتفت إلى رجوعه لو كان أقر وهو لو أقر عنده مائة مرة ثم رجع لم يقطعه فإن قال قائل فهكذا لو رجعت الشهود لم نقطعه، قيل لو رجع الشهود عن الشهادة عليه ثم عادوا فشهدوا عليه بما رجعوا عنه لم تقبل شهادتهم، ولو أقر ثم رجع ثم أقر قبل منه فالاقرار مخالف للشهادات في البدء والمتعقب، وإن كان المسروق منه غائبا فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال لا أقطعه وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يقول اقطعه إذا أقر مرتين وإن كان المسروق منه غائبا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا كان المسروق منه غائبا حبس السارق حتى يحضر المسروق منه لأنه لعله أن يأتي له بمخرج يسقط عنه القطع أو القطع والضمان، وإن كانت السرقة تساوي خمسة دراهم فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا قطع فيها بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي رضي الله عنه وعن ابن مسعود أنهم قالوا لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول تقطع اليد في خمسة دراهم ولا تقطع في دونها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أخبرنا الثقة عن عبد الله بن عمر بن حفص وسفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (القطع في ربع دينار فصاعدا) وبه نأخذ (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تخالف هذا فإنها ليست من وجه يثبت مثله لو انفرد، وأما ما روي عن علي رضي الله عنه وابن مسعود فليست في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ولا أعلمه ثابتا عن واحد منهما وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك رحمه الله تعالى عنه عن القطع فقال حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع سارقا في شئ ما يسوى ثلاثة دراهم أو قال ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (القطع في ربع دينار فصاعدا) وهو مكتوب في كتاب السرقة (قال) وإذا شهد الشاهدان على رجل بالسرقة والمسروق منه غائب فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول لا أقبل الشهادة والمسروق منه غائب أرأيت لو قال لم يسرق مني شيئا أكنت أقطع السارق وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل الشهادة عليه واقطع السارق (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة والمسروق منه غائب قبلت الشهادة وسألت عن الشهود وأخرت القطع إلى أن يقدم المسروق منه (قال) وإذا اعترف الرجل بالسرقة مرتين وبالزنا أربع مرات ثم أنكر بعد ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ندرأ عنه الحد فيهما جميعا ونضمنه السرقة وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اعترف عنده ماعز بن مالك وأمر به أن يرجم هرب حين أصابته الحجارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهلا خليتم سبيله) حدثنا بذلك أبو حنيفة رحمه الله يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا أقبل رجوعه فيهما جميعا وأمضى عليه الحد (قال الشافعي) وإذا أقر الرجل بالزنا أو
(١٥٩)