الله عليه وسلم دار ولا أرضا ولا امرأة وأمن الناس وعفا عنهم قال أبو يوسف قد نقض الأوزاعي حجته هذه ألا ترى أنه قد عفا عن الناس كلهم وأمنهم الكافر منهم والمؤمن ولم يكن في مكة غنمة ولا فئ فهذه لا تشبه الدار التي تكون فيئا يقتسمها المسلمون بما فيها (قال الشافعي) الذي قال الأوزاعي كما قال إلا أنه لم يصنع شيئا في احتجاجه بمكة وقد بيناها في مسألة قبل هذه فتركنا تكريرها ولكن الحجة في هذا أن ابني سعية القرظيين خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر بني قريظة فأسلما فأحرز لهما إسلامهما دماءهما وجميع أموالهما من النخل والدور وغيرها وذلك معروف في بني قريظة وكيف يجوز أن يحرز لهم الاسلام الدماء ولم يؤسروا ولم يحرز لهم الأموال؟ وكيف يجوز أن يحرز لهم بعض الأموال دون بعض؟ أرأيت لو لم يكن في هذا خبر أما كان القياس إذا صار الرجل مسلما قبل أن يقدر عليه أن يقال إن حكمه حكم المسلم فيما يحرز له الاسلام من دمه وماله أو يقال يكون غير محرز له من ماله إلا ما لم يكن يستطيع تحويله أما ما يستطيع تحويله من ثيابه وماله وماشيته فلا، لأن تركه إياه في بلاد الحرب المباحة رضا منه بأن يكون مباحا إذ أمكنه تحويله فلم يحوله ألا يكون قوله أشد من قول من قال يحرز له جميع ماله إلا ما لا يستطيع تحويله؟ هذا القول خارج من القياس والعقل والسنة.
الحربي المستأمن يسلم في دار الاسلام قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في الرجل من أهل الحرب يخرج مستأمنا إلى دار الاسلام فيسلم فيها ثم يظهر المسلمون على الدار التي فيها أهله وعياله هم فئ أجمعون وقال الأوزاعي يترك له أهل وعياله كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه من المسلمين أهله وعياله حين ظهر على مكة قال أبو يوسف ليس في هذا حجة على أبي حنيفة وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الشرك ممن أهله بمكة أموالهم وعيالهم وعفا عنهم جميعا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: هذه مثل المسألة الأولى بل خروج المسلم الذي كان مشركا إلى دار الاسلام أولى أن يحرز له دمه وماله وعياله الذين لم يبلغوا من ولده ومن المسلم في بلاد الشرك فكيف يترك للأول بعض ماله ولا يترك لهذا الذي هو خير حالا منه بعض ماله؟ بل جميع ماله كله له وكل مولود له لم يبلغ متروك له وكل بالغ من ولده وزوجته يسبى لأن حكمهم حكم أنفسهم لا حكمه ومن أحرز له الاسلام دمه قبل أن يقدر عليه أحرز له الاسلام ماله وماله أصغر قدرا من دمه والحجة في هذا مثل الحجة في الأولى وقد أصاب الأوزاعي فيها وحجته بمكة وأهلها ليست بشئ ليست مكة من هذا بسبيل لا في هذه ولا في المسألة الأولى. قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لو كان هذا الرجل أسلم في دار الحرب كان له ولده الصغار لأنهم مسلمون على دينه وما سوى ذلك من أهله وماله فهو فئ. وقال الأوزاعي حال هذا كحال المهاجرين من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد إليه أهله وماله كما رده لأولئك قال أبو يوسف قد فرغنا من القول في هذا والقول فيه كما قال أبو حنيفة رحمه الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: القول فيه ما قال الأوزاعي والحجة فيه مثل الحجة في الأولين.