باب الحدود (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: الحد حدان حد لله تبارك وتعالى لما أراد من تنكيل من غشيه عنه وما أراد من تطهيره به أو غير ذلك مما هو أعلم به وليس للآدميين في هذا حق وحد أوجبه الله تعالى على من أتاه (1) من الآدميين فذلك إليهم ولهما في كتاب الله تبارك وتعالى اسمه أصل فأما أصل حد الله تبارك وتعالى في كتابه فقوله عز وجل (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) إلى قوله (رحيم) فأخبر الله تبارك اسمه بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا من قبل أن يقدر عليهم ثم ذكر حد الزنا والسرقة ولم يذكره فيما استثنى فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة واحتمل أن يكون كل حد لله عز وجل فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه كما احتمل حين قال النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزنا في ماعز (ألا تركتموه) أن يكون كذلك عند أهل العلم السارق إذا اعترف بالسرقة والشارب إذا اعترف بالشرب ثم رجع عنه قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه ومن قال هذا قال هذا في كل حد لله عز وجل فتاب صاحيه قبل أن يقدر عليه سقط عنه حد الله تبارك وتعالى في الدنيا وأخذ بحقوق الآدميين واحتج بالمرتد يرتد عن الاسلام ثم يرجع إلى الاسلام فيسقط عنه القتل فيبطل القطع عن السارق ويلزمه المال لأنه قد اعترف بشيئين أحدهما لله عز وجل ولآخر للآدميين فأخذناه بما للآدميين وأسقطنا عنه ما لله عز وجل ومن ذهب إلى أن الاستثناء في المحارب ليس إلا حيث هو جعل الحد على من أتى حد الله متى قدر عليه وإن تقادم فأما حدود الآدميين من القذف وغيره فتقام أبدا لا تسقط (قال الربيع) قول الشافعي رحمه الله تعالى الاستثناء في التوبة للمحارب وحده الذي أظن أنه يذهب إليه (قال الربيع) والحجة عندي في أن الاستثناء لا يكون إلا في المحارب خاصة حديث ماعز حين أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه ولا نشك أن ماعزا لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره إلا تائبا إلى الله عز وجل قبل أن يأتيه فلما أقام عليه الحد دل ذلك على أن الاستثناء في المحارب خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على السرقة وشهدا أن هذا سرق لهذا كذا وكذا قطع السارق إذا ادعى المسروق المتاع لأنه قد قام عليه شاهدان بأنه سرق متاع غيره ولو لم يزيدا على أن قالا هذا سرق من بيت هذا كان مثل هذا سواء إذا ادعى أنه له قطعت السارق لأني أجعل له ما في يديه وما في بيته مما في يديه (قال) ولو ادعى في الحالين معا أن المتاع متاعه غلبه عليه هذا أو باعه إياه أو وهبه له وأذن له في أخذه لم أقطعه لأني أجعله خصم له ألا ترى أنه لو نكل عن اليمين أحلفت المشهود عليه بالسرقة ودفعته إليه ولو أقام عليه بينة دفعته إليه ولو أقام عليه بينة في المسألة الأولى فأقام المسروق بينة أنه متاعه جعلت المتاع للذي المتاع في يديه وأبطلت الحد عن السارق لأنه قد جاء ببينة أنه له فلا أقطعه فيما قد أقام البينة أنه له وإن لم أقض به له وأنا أدرأ الحد بأقل من هذا، ولو أقر المسروق منه بعدما قامت البينة على السارق أنه نقب بيته وأخرج متاعه أنه أذن له أن ينقب بيته ويأخذه وأنه متاع له لم أقطعه وكذلك لو شهد له شهود فأكذب الشهود إذا سقط أن أضمنه المتاع بإقرار رب المتاع له لم أقطعه في شئ أنا أقضى به له ولا أخرجه من يديه والشهادة على اللواط وإتيان البهائم أربعة لا يقبل فيها أقل منهم لأن كلا جماع
(٥٩)