باب ما يجب فيه اليمين (قال الشافعي) كل من ادعى على امرئ شيئا ما كان من مال وقصاص وطلاق وعتق وغيره أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المدعى فإن حلف استحق وإن لم يحلف لم يستحق ما ادعى ولا يقوم النكول مقام إقرار في شئ حتى يكون مع النكول يمين المدعى فإن قال قائل فكيف أحلفت في الحدود والطلاق والنسب والأموال وجعلت الأيمان كلها تجب على المدعى عليه وتجعلها كلها ترد على المدعى؟ قيل له إن شاء الله تعالى قلت استدلالا بكتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فإن قال وأين الدلالة من الكتاب؟ قيل له إن شاء الله قال (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فحد الرامي بالزنا ثمانين وقال في الزوج (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) إلى قوله (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فحكم الله عز وجل على القاذف غير الزوج بالحد ولم يجعل له مخرجا منه إلا بأن يأتي بأربعة شهاداء وأخرج الزوج من الحد بأن يحلف أربعة أيمان ويلتعن بخامسة ويسقط عنه الحد ويلزمها إن لم تخرج أربعة أيمان والتعانها وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفي الولد (1) والتعانه وسن بينهما الفرقة ودرأ الله تعالى عنها الحد بالأيمان مع التعانه وكانت أحكام الزوجين إذا خالفت أحكام الأجنبيين في شئ فهي مجامعة له في غيره وذلك أن اليمين فيه قد جمعت درء الحد عن الرجل والمرأة وفرقة ونفي ولد فكان الحد والطلاق والنفي معا داخلا فيها ولا يحق الحد على المرأة حين يقذفها إلا بيمين الزوج وتنكل عن اليمين ألا ترى أن الزوج لو لم يلتعن حد بالقذف وترك الخروج باليمين منه ولم يكن على المرأة حد ولم تلتعن أو لا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصاريين (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم) فلما لم يحلفوا رد الأيمان على اليهود ليبروءا بها فلما لم يقبلها الأنصاريون تركوا حقهم أو لا ترى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بدأ بالأيمان على المدعى عليهم فلما لم يحلفوا ردها على المدعين والله أعلم.
هذا كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى عن أبي يوسف رحمهم الله تعالى (قال) إذا أسلم الرجل إلى الخياط ثوبا فخاطه قباء فقال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتني بقباء فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول القول قول رب الثوب ويضمن الخياط قيمة الثوب وبه يأخذ (يعني أبا يوسف) وكان ابن أبي ليلى يقول (القول قول الخياط في ذلك) ولو أن الثوب ضاع من عند الخياط ولم يختلف رب الثوب والخياط في عمله فإن أبا حنيفة قال لا ضمان عليه ولا على القصار والصباغ وما أشبه ذلك من العمال إلا فيما جنت أيديهم وبلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال لا ضمان عليهم وكان ابن أبي ليلى يقول لهم ضامنون لما هلك عندهم وإن لم تجن أيديهم فيه. قال أبو يوسف هم ضامنون إلا أن يجئ شئ غالب (قال الشافعي) رحمه الله