وهم أوفر عقولا وأحسن إبانة لما قالوا من عامتكم؟ فإن قلتم لأنهم لا علم لهم بالأصول قيل لكم فما حجتكم في علمكم بالأصول إذا قلتم بلا أصل ولا قياس على أصل؟ هل خفتم على أهل العقول الجهلة بالأصول أكثر من أنهم لا يعرفون الأصول فلا يحسنون أن يقيسوا بما لا يعرفون وهل أكسبكم علمكم بالأصول القياس عليهم أو أجاز لكم تركها؟ فإذا جاز لكم تركها جاز لهم القول معكم لأن أكثر ما يخالف عليهم ترك القياس عليها أو الخطأ ثم لا أعلمهم إلا أحمد على الصواب إن قالوا على غير مثال منكم لو كان أحد يحمد على أن يقول على غير مثال لأنهم لم يعرفوا مثالا فتركوه وأعذر بالخطأ منكم وهم أخطأوا فيما لا يعلمون ولا أعلمكم إلا أعظم وزرا منهم أتركتم ما تعرفون من القياس على الأصول التي لا تجهلون فإن قلتم فنحن تركنا القياس على غير جهالة بالأصل قيل فإن كان القياس حقا فأنتم خالفتم الحق عالمين به وفي ذلك من المأثم ما إن جهلتموه لم تستأهلوا أن تقولوا في العلم وإن زعمتم أن واسعا لكم ترك القياس والقول بما سنج في أوهامكم وحضر أذهانكم واستحسنته مسامعكم حججتم بما وصفنا من القرآن ثم السنة وما يدل عليه الاجماع من أن ليس لأحد أن يقول إلا بعلم وما لا تختلفون فيه من أن الحاكم لو تداعى عنده رجلان في ثوب أو عبد تبايعاه عيبا لم يكن للحاكم إذا كان مشكلا أن يحكم فيه وكان عليه أن يدعو أهل العلم به فيسألهم عما تداعيا فيه هل هو عيب فإن تطالبا قيمة عيب فيه وقد فات سألهم عن قيمته فلو قال أفضلهم دينا وعلما إني جاهل بسوقه اليوم وإن كنت عالما بها قبل اليوم ولكني أقول فيه لم يسعه أن يقبل قوله بجهالته بسوق يومه وقبل قول من يعرف سوق يومه ولو جاء من يعرف سوق يومه فقال إذا قست هذا بغيره مما يباع وقومته على ما مضى وكان عيبه دلني القياس علي كذا ولكني أستحسن غيره لم يحل له أن يقبل استحسانه وحرم عليه إلا أن يحكم بما يقال إنه قيمة مثله في يومه وكذلك هذا في امرأة أصيبت بصداق فاسد يقال كم صداق مثلها في الجمال والمال والصراحة الشباب واللب والأدب فلو قيل مائة دينار ولكنا نستحسن أن نزيدها درهما أو ننقصها لم يحل له وقال للذي يقول أستحسن أن أزيدها أو أنقصها ليس ذلك لي ولا لك وعلى الزوج صداق مثلها وإذا حكم بمثل هذا في المال الذي نقل رزيته على من أخذ منه ولم يوسع فيه الاستحسان وألزم فيه القياس وأهل العلم به ولم يجهل لأهل الجهالة قياسا فيه لأنهم لا يعلمون ما يقيسون عليه فحلال الله وحرامه من الدماء والفروج وعظيم الأمور أولى أن يلزم الحكام والمفتين (قال الشافعي) أفرأيت إذا قال الحاكم والمفتي في النازلة ليس فيها نص خبر ولا قياس وقال أستحسن فلا بد أن يزعم أن جائزا لغيره أن يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن فيقال في الشئ الواحد بضروب من الحكم والفتيا فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه وإن قال الذي يرى منهم ترك القياس بل على الناس اتباع ما قلت قيل له من أمر بطاعتك حتى يكون على الناس اتباعك؟ أو رأيت إن ادعى عليك غيرك هذا أتطيعه أم تقول لا أطيع إلا من أمرت بطاعته؟ فكذلك لا طاعة لك على أحد وإنما الطاعة لمن أمر الله أو رسوله بطاعته والحق فيما أمر الله ورسوله باتباعه ودل الله ورسوله عليه نصا أو استنباطا بدلائل أو رأيت إذ أمر الله بالتوجه قبل البيت وهو مغيب عن المتوجه هل جعل له أن يتوجه إلا بالاجتهاد بطلب الدلائل عليه؟ أو رأيت إذا أمر بشهادة العدل فدل على أن لا يقبل غيرها هل يعرف العدل من غيره إلا بطلب الدلائل على عدله؟ أو رأيت إذا أمر بالحكم بالمثل في الصيد هل أمر أن يحكم إلا بأن يحكم بنظره؟ فكل هذا اجتهاد وقياس أو رأيت إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الحكم
(٣١٦)