ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الاسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الاسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله عليه ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئا أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار والى عمال الأمصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الاسلام فالحد ساقط عنه وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله ومن أصاب حدا في المصر ولا وإلي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعدما أصاب أن يقيم الحد فكذلك عامل الجيش إن ولي الحد اقامه وإن لم يول الحد فأول من يليه يقيمه عليه وكذلك هو في الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء فأما قوله يلحق بالمشركين فإن لحق بهم فهو أشقى له ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي اتصلت ببلاد الحرب مثل طرسوس والحرب وما أشبههما وما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منكر غير ثابت وهو يعيب أن يحتج بحديث غير ثابت ويقول حدثنا شيخ ومن هذا الشيخ يقول مكحول عن زيد بن ثابت.
ما عجز الجيش عن حمله من الغنائم قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى وإذا أصاب المسلمون غنائم من متاع أو غنم فعجزوا عن حمله ذبحوا الغنم وحرقوا المتاع وحرقوا لحوم الغنم كراهية أن ينتفع بذلك أهل الشرك وقال الأوزاعي نهى أبو بكر أن تعقر بهيمة إلا لمأكلة وأخذ بذلك أئمة المسلمين وجماعتهم حتى إن كان علماؤهم ليكرهون للرجل ذبح الشاة والبقرة ليأكل طائفة منها ويدع سائرها. وبلغنا أنه من قتل نحلا ذهب ربع أجره ومن عقر جوادا ذهب ربع أجره وقال أبو يوسف قول الله في كتابه أحق أن يتبع قال الله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) واللينة فيما بلغنا النخلة وكل ما قطع من شجرهم وحرق من نخلهم ومتاعهم فهو من العون عليهم والقوة وقال الله عز وجل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وإنما كره المسلمون أن يحرقوا النخل والشجر لأن الصائفة كانت تغزو كل عام فيتقوون بذلك على عدوهم ولو حرقوا ذلك خافوا أن لا تحملهم البلاد والذي في تخريب ذلك من خزي العدو ونكايتهم أنفع للمسلمين وأبلغ ما يتقوى به الجند في القتال حدثنا بعض مشايخنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين حاصر الطائف أمر بكرم لبني الأسود ابن مسعود أن يقطع حتى طلب بنو الأسود إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذها لنفسه ولا يقلعها فكف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى أما كل ما لا روح فيه للعدو فلا بأس أن يحرقه المسلمون ويخربوه بكل وجه لأنه لا يكون معذبا إنما المعذب ما يألم بالعذاب من ذوات الأرواح قد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير وحرقها وقطع من أعناب الطائف وهي آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم لقي فيها حربا وأما ذوات الأرواح فإن زعم أنها قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت فإن زعم أن المسلمين ذبحوا ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة أن تكون مأكولة (قال الشافعي) وقد أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا بغير حقها حوسب بها) قيل وما حقها؟ قال (إن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به) (قال الشافعي) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة عن أكلها