ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكر بالآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمة وأعلامهم، إلى أن قال:
وأما مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى أنه من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها، تضاف إليه، وتروى عنه (1).
قال ابن حجر: أخرج أبو القاسم الطبري من طريق ابن وهب، قال: سمعت الليث بن سعد، يقول: حججت سنة ثلاث عشرة ومئة، فلما صليت العصر في المسجد، رقيت أبا قبيس، فإذا رجل جالس يدعو، فقال: يا رب يا رب حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا حي يا حي حتى انقطع نفسه، ثم قال: إني أشتهي العنب فأطعمنيه، وأن بردي قد خلقا فاكسني، قال الليث: فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا، وليس على الأرض يومئذ عنب، فإذا بردان موضوعان لم أر مثلهما في الدنيا، فأراد أن يأكل فقلت: أنا شريكك، فقال: لم؟ فقلت: لأنك دعوت وكنت أؤمن، فقال: تقدم وكل، فتقدمت وأكلت عنبا لم آكل مثله قط، وما كان له عجم، فأكلنا حتى شبعنا ولم تتغير السلة، فقال: لا تدخر ولا تخبئ منه شيئا، ثم أخذ أحد البردين ودفع إلي الآخر، فقلت: أنا في غنى عنه، فائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، ثم أخذ برديه الخلقين فنزل وهما بيده، ولقيه رجل بالمسعى،