يا ديصاني هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها، لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولم يدخل فيها داخل مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبرا؟!
قال: فأطرق مليا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه (1).
فأي تدبير صنع هذا الحصن المحكم من مادة الكلس المصفى، وأودع فيه الأسرار العجيبة؟!
أي تدبير نسج هذا الحصن من مواد الحب الذي تأكله الدجاجة والطير، ثم وضعه في بيت المبيض، وجعله مقرا آمنا لنمو الفرخ فيه، وأسكن فيه النطفة كاللؤلؤة في الصدفة؟!
وحيث إن الجنين منفصل عن أمه، وليس هناك رحم يوفر له الغذاء، فقد هيأ له الغذاء في داخل الحصن، وجعل بين جدار الحصن الغليظ وبين الفرخ وغذائه غشاء لطيفا يمنع من وصول الأذى إليه، ثم خلق في ذلك الجو المظلم جميع أعضاء الحيوان وقواه من عظام وعضلات وعروق وأعصاب وحواس، ووضع كل واحدة منها في موضعها.
إن التأمل في تركيب العين من تلك الأعضاء فقط وما أودع فيها من لطائف الصنع، ووضعها في موضعها الذي يليق بها يحير العقول، فضلا عن جميعها.