الأرض لا تقنعه، وإن غلبت عليه شهوة المقام والرئاسة فإن ملك الأرض لا يكفيه، بل يطمح أن يمد سلطانه إلى الكواكب الأخرى {وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلى أبلغ الأسباب * أسباب السماوات} (1).
إن هوى الانسان الطاغي مع شهوة البطن والفرج والمال والمقام، واستخدامه قوة الغضب لإشباع هواه غير المحدود، لا يخضع لأي شئ، ولا يقف عند أي حد، ولا يصرف النظر عن تضييع أي حق.
وليست نتيجة الحياة بهذه الشهوة إلا الفساد، ولا بهذا الغضب إلا سفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل، بل إن استخدام الانسان ما يكتشفه من أسرار الكون بقدراته الفكرية في سبيل الوصول إلى مآرب أهوائه غير المحدودة سوف يجر الحياة البشرية على الكرة الأرضية إلى الدمار والخراب {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} (2).
والقدرة الوحيدة التي تكبح جماح النفس الانسانية، وتسيطر على غلواء غضبها وشهوتها، وتروضهما حتى يعتدلا، وتحقق حقوق الفرد والمجتمع وتضمنهما، ليست إلا الإيمان بالمبدأ والمعاد، والثواب والعقاب، فإن الاعتقاد بالله الذي {وهو معكم أين ما كنتم} (3) وبالمجازاة التي {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (4) هو الذي يبعث الانسان إلى كل خير ويصرفه عن كل شر، ويحقق مجتمعه على أساس التصالح في البقاء، بعيدا عن التنازع على البقاء.