كما أن الانسان لا يمكنه بحال أن يعتقد بعدم المبدأ والمعاد، إلا إذا أحاط بكل الوجود، وأحاط بسلسلة العلل والمعلولات، ولم يجد المبدأ والمعاد، فما لم تتحقق هذه المعرفة المحيطة، فإن يقينه بعدم المبدأ والمعاد محال، بل غاية ما يمكنه هو الجهل بهما.
وعلى هذا، فإن مقتضى العدل والإنصاف للشاك في وجود الله تعالى أن لا يتجاوز مقتضى الشك قولا وعملا، فعليه أن يعترف بعدم العلم، وليس له أن يدعي العلم بالعدم، مثلا من احتمل وجودا تترتب على وجدانه السعادة الأبدية، وعلى فقدانه الشقاء الأبدي، فإن وظيفته العقلية أن لا ينكر وجوده بلسانه ولا بقلبه، وأن يواصل - في مقام العمل - البحث عنه بكل استطاعته، ويراعي الاحتياط في سلوكه حتى لا يخسر السعادة الأبدية، ولا يقع في الشقاء الأبدي على فرض وجوده، وذلك كما يحكم العقل عليه بأن يمسك عن الطعام اللذيذ الذي يحتمل أن فيه سما يوجب هلاكه.
وكل شاك في وجود الله، إذا عمل بمقتضى العدل، الذي هو واجبه العقلي يصل بلا شك إلى المعرفة والايمان {والذين جهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (1)، وإلا فمع التلوث بالظلم لهذه الحقيقة يستحيل حصول معرفة ذلك القدوس المتعال {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا} (2)، {ويضل الله الظلمين ويفعل الله ما يشاء} (3).
وبعد الالتفات إلى هذه المقدمات نشرع في بيان أصول الدين: