فقال له الرجل: ولم؟ قال: أخاف أن يدخلني ما دخلك! (1).
فأية تربية هذه التي غرست روح العطاء في نفس الغني، وغيرت تكبره إلى التواضع! وغرست النظرة البعيدة والهمة العالية في نفس الفقير، وغيرت ذلته إلى العزة!
استطاعت تربية القرآن أن تزيل تسلط القوي على الضعيف، كما نرى في قصة مالك الأشتر التالية.
فقد ورثت الدولة الإسلامية سلطان إمبراطورية الروم والفرس، وكان مالك الأشتر القائد العام لقوات أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وذات يوم كان مالك مجتازا سوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السوقة فسخر من زيه، فرماه ببندقة تهاونا به، فمضى ولم يلتفت! فقيل له: ويلك أتدري من رميت؟! فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام)! فارتعد الرجل، ومضى إليه ليعتذر منه، فرآه وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلي، فلما انفتل أكب الرجل على قدميه يقبلهما، فقال له: ما هذا الأمر؟! فقال: أعتذر إليك مما صنعت، فقال: لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفرن لك! (2).
لقد كان أثر التربية القرآنية على مالك أن غرور المنصب الكبير لم يسلبه خضوع العبد المؤمن للحي القيوم عز وجل، وأن يجازي ذلك الذي أهانه - وهو مضطرب لا يدري ماذا سيلاقي من العقوبة - بأفضل الخيرات، بأن شفع له إلى الله تعالى، وطلب أن يغفر له!