لأن العامل الأول شرط لنفسه قسطا من الربح بغير مال ولا عمل، والربح في القراض لا يستحق إلا بمال أو عمل، وليس للعامل الأول أحدهما، فيكون الربح كله لرب المال وللعامل الثاني أجرة مثله، لأنه عمل في قراض فاسد، و لا شئ للعامل الأول لأنه لا عمل له فيه.
فإذا قارض العامل عاملا آخر بغير إذن رب المال فقال: خذه قراضا على أن ما رزق الله من ربح كان بيننا نصفين، كان القراض فاسدا لأنه تصرف في مال غيره بغير أمره، فإذا ثبت أن القراض فاسد فعمل العامل وربح فما حكمه؟
فهذه المسألة مبنية على أصل نذكره أولا ثم نبين كيفية بناء هذه المسألة عليها، وذلك الأصل: إذا غصب رجل مالا فاتجر به فربح أو كان في يده مال أمانة وديعة أو نحوها، فتعدى فيه فاتجر به فربح، فلمن الربح؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: أن الربح كله لرب المال ولا شئ للغاصب، لأنا لو جعلنا الربح للغاصب كان ذلك ذريعة إلى غصب الأموال والخيانة في الودائع، فجعلنا الربح لرب المال صيانة للأموال.
والقول الثاني: أن الربح كله للغاصب لا حق لرب المال في الربح، لأنه إن كان قد اشترى بعين المال فالشراء باطل، وإن كان الشراء في الذمة ملك المشتري المبيع، وكان الثمن في ذمته، فإذا دفع مال غيره فقد قضى دين نفسه بمال غيره، وكان عليه ضمان المال فقط، والمبيع ملكه حلال له طلق، وإذا اتجر فيه وربح كان متصرفا في مال نفسه، فلهذا كان الربح له دون غيره، ولا يكون ذريعة إلى أخذ الأموال لأن حسم ذلك بالخوف من الله والحذر فيما يرتكبه من المعصية ويحذره من الإثم، وهذا القول أقوى، والأول تشهد به رواياتنا.
فإذا ثبت ذلك عدنا إلى مسألتنا، فإذا قارض العامل عاملا آخر فتصرف العامل الثاني كان متعديا بذلك، لأنه تصرف في مال غيره بغير حق، فإن كان عالما فهو آثم، وإن كان جاهلا فالإثم ساقط، فإذا ربح بني على القولين:
فمن قال: ربح الغاصب كله لرب المال، فعلى هذا يكون لرب المال