وأما إذا لم يسلمه إليه ومضى بعض المدة في يده، فقد انفسخ العقد في ذلك القدر الذي مضى، لأنه معقود عليه تلف قبل القبض، ويكون الحكم في الباقي صحيحا، وفي الناس من قال: لا يصح فيما بقي، ومنهم من قال: يصح فيما بقي وله الخيار.
وأما غير العقار مثل الدابة والبغل والجمل والحمار والبقر وغير ذلك، فإنه يجوز أن يعقد عليها عقد الإجارة معينا وفي الذمة، لأن هذه الأشياء يجوز ثبوتها في الذمة في البيع، فكذلك في الإجارة، ويفارق العقار التي لا بد فيه من تعيين موضعه، لأنه يختلف باختلاف مواضعه، وإذا كان التعيين مقصودا في العقار لم يثبت في الذمة.
فإذا ثبت أنه يجوز على غير العقار معينا وفي الذمة فإن استأجر شيئا منها معينا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون العمل مجهولا أو معلوما.
فإن كان مجهولا كان من شرطه تقدير الزمان، لأن الإجارة لا تصح والمنفعة مجهولة، فإذا لم يمكن تقديرها في نفسها وجب تقديرها بالزمان.
فأما إذا قدر الزمان كان الحكم فيه كما قلنا في العقار سواء فصلا ففصلا، ومتى تقدر ذلك الزمان بتقدير المغاير لم يجز تقديره مع ذلك في نفسه إن كان مما يتقدر في نفسه لأن الإجارة غرر، وتقدير المنفعة في نفسها غرر، والغرر إذا أضيف إلى الغرر في العقد منع الجواز.
فأما إذا كان العمل معلوما في نفسه مثل أن يقول: استأجرتك لتخيط هذا الثوب أو تنقل هذا التراب من هذا الموضع، صح العقد لأن المنفعة صارت معلومة بتقدير العمل، كما تصير معلومة بتقدير الزمان.
فإذا ثبت هذا فإن أطلق ذلك كان على التعجيل، وإن شرط التعجيل كان تأكيدا لما يقتضيه العقد، وإن شرط تأخيره أو قدره بزمان كان باطلا، لأن العقد وقع على معين، وشرط التأخير في التسليم لا يجوز.
وإن كان لم يشترط التأخير لكنه تأخر التسليم منه كان المعقود عليه بحاله،