وأما كون الانذار من سنخ ما يتفقه فيه، أي بيان الأحكام بنحو الانذار، فليست الآية ظاهرة فيه، بل الظاهر منها أن غاية النفر أمران:
أحدهما: التفقه في الدين وفهم الأحكام الدينية.
وثانيهما: إنذار القوم وموعظتهم.
فيكون المراد: يجب على الفقيه إنذار القوم وإيجاد الخوف من بأس الله في قلوبهم، فإذا خافوا يحكم عقلهم بوجوب تحصيل المؤمن، فلا محيص لهم إلا العلم بأحكام الله مقدمة للعمل بها.
وأما وجوب العمل بقول المنذر بمجرده فلا تدل الآية عليه.
ودعوى: أن الانذار لا بد وأن يكون من جنس ما يتفقه فيه، وإلا فأية مناسبة للفقيه معه؟! (1) ممنوعة، لأن الانذار مناسب للفقيه، لأنه يعلم حدوده، وكيفيته، وشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أن لكلامه تأثيرا في القوم لا يكون لكلام غيره، لعلو مقامه، وعظم شأنه لديهم، وأما التفقه في الدين، فهو أعم من الأصول والفروع، فلا وجه لاختصاصه بالثاني، والأخبار الواردة في تفسيرها تدل على تعميمه (2)، فحينئذ لا يمكن أن يقال: بوجوب قبول قوله تعبدا، لعدم جريانه في الأصول.
اللهم إلا أن يقال: إن إطلاقها على فرضه، يقتضي قبول قول الغير في الأصول والفروع، فيقيد إطلاقها عقلا في الأصول، وتبقى الفروع.