وأما كون المنذر - بالكسر - كل واحد من الطائفة، فلا إشكال في ظهور الآية فيه، لكن الظاهر منها أن كل واحد من المنذرين يجب عليه إنذار القوم جميعا، ومعه لا تدل الآية على وجوب القبول من كل واحد منهم، فإنه بإنذار كل واحد منهم قومهم ربما يحصل لهم العلم.
وأما كون التحذر بمعنى التحذر العملي، أي قبول قول الغير والعمل به، فهو خلاف ظاهرها، بل التحذر إما بمعنى الخوف، وإما بمعنى الاحتراز، وهو الترك عن خوف. والظاهر أنه بمعنى الخوف الحاصل عن إنذار المنذرين، وهو أمر غير اختياري لا يمكن أن يتعلق بعنوانه الأمر. نعم، يمكن تحصيله بمقدمات اختيارية، كالحب، والبغض، وأمثالهما.
هذا كله مع أنه لا إطلاق للآية، ضرورة أنها بصدد بيان كيفية النفر، وأنه إذا لم يمكن للناس نفر عمومي، فلم لا تنفر طائفة منهم، فإنه ميسور لهم؟!
وبالجملة: لا يجوز للناس سد باب التفقه والتعلم بعذر الاشتغال بأمور الدنيا، فإن أمر الدين - كسائر أمورهم - يمكن قيام طائفة به، فلا بد من التفقه والانذار. وأما وجوب قبول السامع بمجرد السماع، فلا إطلاق للآية يدل عليه، فضلا عن إطلاقها لحال التعارض.
والانصاف: أن الآية أجنبية عن حجية قول المفتي، كما أنها أجنبية عن حجية قول المخبر، بل مفادها - والعلم عند الله -: أنه يجب على طائفة من كل فرقة أن يتفقهوا في الدين، ويرجعوا إلى قومهم، وينذروهم بالمواعظ والانذارات والبيانات الموجبة لحصول الخوف في قلوبهم، لعلهم يحذرون، ويحصل في